للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أن المراد مستقرها المكاني، وهو تحت العرش مما يلي الأرض من ذلك الجانب وهي أينما كانت فهي تحت العرش، هي وجميع المخلوقات؛ لأنه سقفها، فحينئذ تسجد، وتستأذن في الطلوع، كما جاءت بذلك الأحاديث. روي البخاري عن أبي ذرّ-رضي الله عنه-قال: كنت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، في المسجد عند غروب الشمس، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذرّ أتدري أين تغرب الشمس؟». قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنّها تذهب حتّى تسجد تحت العرش، فتستأذن، فيؤذن لها. ويوشك أن تسجد، فلا يقبل منها، وتستأذن، فلا يؤذن لها، يقال لها: ارجعي من حيث جئت. فتطلع من مغربها». فذلك قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها..}. إلخ.

والقول الثاني: أن المراد ب‍: «مستقرها» هو منتهى سيرها، وهو يوم القيامة، يبطل سيرها، وتسكن حركتها، وتكوّر، وينتهي العالم إلى غايته، وهذا هو مستقرها الزماني، قال قتادة -رحمه الله تعالى-: {لِمُسْتَقَرٍّ لَها} أي لوقتها، ولأجل لا تعدوه. هذا؛ وقرأ ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم: «(لا مستقرّ لها)» أي: لا قرار لها، ولا سكون؛ بل هي سائرة ليلا نهارا، لا تفتر، ولا تقف، كما قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ} الآية رقم [٣٣] من سورة (إبراهيم)، أي: لا يفتران، ولا يقفان إلى يوم القيامة. انتهى.

{ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} أي: ذلك الجري، وذلك الدوران بانتظام، وبحساب دقيق هو تقدير القوي القادر الغالب على أمره، العليم بكل شيء صغيرا كان، أو كبيرا، سرا كان، أو جهرا.

هذا؛ وجاء في الظلال للشهيد ما يلي: والشمس تدور حول نفسها، وكان المظنون أنها ثابتة في موضعها، الذي تدور فيه، ولكن عرف أخيرا: أنها غير مستقرة في مكانها، إنما هي تجري فعلا في اتجاه واحد في الفضاء الكوني، الهائل بسرعة، حسبها الفلكيون باثني عشر ميلا في الثانية، والله ربها الخبير بها، وبجريانها يقول: إنها {تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها} هذا المستقر الذي تنتهي إليه، لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى، وحين نتصور أن حجم هذه الشمس يبلغ نحو مليون ضعف لحجم أرضنا هذه، وأن هذه الكتلة الهائلة تتحرك وتجري في الفضاء، لا يسندها شيء، ندرك طرفا من هذه القدرة، التي تصرّف هذا الوجود عن قوة، وعن علم. وصدق الله إذ يقول:

{ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}. انتهى. صفوة التفاسير للصابوني.

هذا؛ وجاء في الكشاف ما يلي: {لِمُسْتَقَرٍّ لَها:} لحد لها مؤقت مقدر، تنتهي إليه من فلكها في آخر السنة، شبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره، أو لمنتهى لها من المشارق، والمغارب؛ لأنها تتقصاها مشرقا مشرقا، ومغربا مغربا، حتى تبلغ أقصاها، ثم ترجع، فذلك حدها، ومستقرها؛ لأنها لا تعدوه. أو لحد لها من مسيرها كل يوم في مرأى عيوننا، وهو المغرب. وقيل: مستقرها: أجلها الذي أقر الله عليه أمرها في جريها، فاستقرت عليه، وهو آخر السنة. انتهى. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>