للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعين، والبقر عيناء. {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ:} مصون، قال الحسن، وابن زيد: شبهن ببيض النعام، تكنها النعامة بالريش من الريح، والغبار، فلونها أبيض في صفرة، وهو أحسن ألوان النساء. وقال ابن عباس، وابن جبير، والسدي: شبهن ببطن البيض قبل أن يقشر، وتمسه الأيدي.

وفي الحديث عن أنس-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا وفدوا، وأنا مبشّرهم إذا حزنوا، وأنا شفيعهم إذا حبسوا، لواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على الله-عز وجلّ-ولا فخر، يطوف عليّ ألف خادم، كأنّهنّ البيض المكنون، أو اللؤلؤ المكنون». أخرجه ابن أبي حاتم، وروى بعضه الترمذي.

وعن أم سلمة-رضي الله عنها-قالت: قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أخبرني عن قوله تعالى:

{كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ؟} قال: «رقّتهنّ كرقّة الجلد الذي في داخل البيضة، ممّا يلي القشر».

والعرب تشبه النساء بالبيض من ثلاثة أوجه: أحدها: بالصحة، والسلامة عن الطمث، أي:

الجماع، ومنه قول الفرزدق: [الوافر]

خرجن إليّ لم يطمثن قبلي... وهنّ أصحّ من بيض النّعام

فبتن بجانبيّ مصرّعات... وبتّ أفضّ أغلاق الختام

والثاني: في الصيانة والستر؛ لأن الطائر يصون بيضه، ويحضنه. والثالث: في صفاء اللون، ونقائه؛ لأن البيض يكون صافي اللون نقيه؛ إذا كان تحت الطائر. انظر ما ذكرته في الآية رقم [٢٢٦] من سورة (الشعراء) بشأن بيتي الفرزدق، وخذ قول امرئ القيس في معلقته رقم [٣١]: [الطويل]

وبيضة خدر لا يرام خباؤها... تمتّعت من لهو بها غير معجل

وتقول العرب إذا وصفت الشيء بالحسن، والنظافة: كأنه بيض النعام المغطى بالريش.

وقيل: المكنون: المصون عن الكسر، أي: إنهن عذارى. وقيل: المراد بالبيض: اللؤلؤ، كقوله تعالى في سورة (الواقعة): {وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} أي: في أصدافه. قاله ابن عباس-رضي الله عنهما-أيضا. ومنه قول الشاعر: [الخفيف]

وهي بيضاء مثل لؤلؤة الغو... واص ميزت من جوهر مكنون

وإنما أفرد المكنون، وذكّر في الآية الكريمة؛ والبيض جمع؛ لأنه رد النعت إلى اللفظ، لا إلى المعنى. {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ} أي: يتفاوضون فيما بينهم أحاديثهم في الدنيا، وهو من تمام الأنس في الجنة. والمعنى: يشربون من خمر الجنة الموصوف بما ذكر، فيتحادثون على الشراب كعادة الشّرّاب. قال بعضهم (ونسب للفرزدق): [الوافر]

وما بقيت من اللّذّات إلاّ... أحاديث الكرام على المدام

<<  <  ج: ص:  >  >>