فضلا عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب، ألا يأتوا النّساء إلا على حرف (على جنب)، وذلك أستر ما تكون المرأة، فكان هذا الحيّ من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحيّ من قريش يشرحون النّساء شرحا منكرا، ويتلذّذون منهنّ مقبلات، ومدبرات، ومستلقيات، فلما قدم المهاجرون المدينة؛ تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك، فأنكرته عليه، وقالت: إنّما كنا نؤتى على حرف، فاصنع ذلك، وإلا؛ فاجتنبني، حتّى شري أمرهما، فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله-عزّ وجل-: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ؛} أي: مقبلات، ومدبرات، ومستلقيات، يعني بذلك موضع الولد. أخرجه أبو داود. ومعنى قوله:(أوهم) ابن عمر، فإنه قال: يأتيها في قبلها، وسكت، ولم يزد على ذلك.
{وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} أي: الأعمال الصّالحات، وما ينفعكم غدا، فحذف المفعول، وقيل: هو طلب الولد الصّالح، وقيل: التسمية قبل الوطء، وفيه الترغيب من النبي صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال:«لو أنّ أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله؛ قال: بسم الله، اللهمّ جنّبنا الشّيطان، وجنّب الشّيطان ما رزقتنا، فإنّه إن يقدّر بينهما ولد في ذلك؛ لم يضرّه شيطان أبدا». أخرجه البخاريّ، ومسلم عن ابن عبّاس-رضي الله عنهما-واللفظ لمسلم.
{وَاتَّقُوا اللهَ} تحذير، ووعيد. {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ:} صائرون إلى الله، وذلك بالبعث، والحشر بعد الموت فاستعدّوا للقائه بالعمل الصّالح، وترك العمل السّيّئ. وعن عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما-قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يخطب يقول:«إنكم ملاقوا الله حفاة، عراة، مشاة، غرلا» ثمّ تلا قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللهَ..}. إلخ. أخرجه مسلم بمعناه.
{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ:} المستوجبين للمدح، والتعظيم بترك القبائح، وفعل الأعمال الصّالحات، ولا تنس الالتفات من خطاب الجماعة إلى خطاب المفرد.
بعد هذا؛ فقد رأيت: أنّه لا يجوز للرّجل أن يأتي امرأته في أيّام حيضها، ونفاسها، كما لا يجوز له أن يأتيها في دبرها. وخذ ما يلي من قول سيد الخلق، وحبيب الحقّ صلّى الله عليه وسلّم، فعن عبد الله ابن عمرو-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هي اللّوطيّة الصّغرى، يعني: الرّجل يأتي امرأته في دبرها». رواه أحمد، والبزّار. وعن خزيمة بن ثابت-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا يستحيي من الحقّ-ثلاث مرات-لا تأتوا النّساء في أدبارهنّ». رواه ابن ماجة، والنّسائي. وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أتى النّساء في أعجازهنّ؛ فقد كفر». رواه الطّبرانيّ في الأوسط. وعنه: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«ملعون من أتى امرأة في دبرها». رواه أحمد، وأبو داود، وعنه أيضا: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«من أتى حائضا، أو امرأة في دبرها، أو كاهنا، فصدّقه؛ كفر بما أنزل الله على محمّد صلّى الله عليه وسلّم».