{وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} أي: بما يذبح بدله، فيتم الفعل، و {عَظِيمٍ} بمعنى: عظيم الجثة، سمين، أو عظيم القدر. وهو أولى؛ لأنه فدى الله به نبيا ابن نبي، وما خرج من نسله، وهو سيد المرسلين صلّى الله عليه، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وسلم تسليما. هذا؛ وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: هو الكبش الذي تقرب به هابيل، وكان في الجنة يرعى حتى فدى الله به إسماعيل. وقال الحسن البصري: ما فدي إسماعيل إلا بتيس من الأروى هبط عليه من ثبير، فذبحه إبراهيم فداء عن ابنه. وهذا قول عليّ، رضي الله عنه. فلما رآه إبراهيم؛ أخذه؛ فذبحه وأعتق ابنه، وقال: يا بني اليوم وهبت لي! وقال أبو إسحاق الزجاج: قد قيل: إنه فدي بوعل، والوعل التيس. والمعتمد هو الأول. وعليه فيكون قد نزعت منه صفة الحيوانية مدة وجوده في الجنة، واتصف بصفة الملائكة الذين لا يأكلون، ولا يشربون، فلما هبط به جبريل إلى الأرض؛ نزعت منه صفة الملائكة وعادت إليه صفة الحيوانية؛ التي رفع فيها.
قيل: نظر إبراهيم فإذا هو بجبريل الأمين، ومعه كبش أقرن أملح، فقال: هذا فداء ابنك، فاذبحه دونه! فكبر إبراهيم، وكبر ابنه، وكبر جبريل، وكبر الكبش، فأخذه إبراهيم، وأتى به المنحر من منى، فذبحه. هذا؛ والذّبح: بمعنى: المذبوح، وجمعه: ذبوح، كالطحن: بمعنى:
المطحون، والذّبح بفتح الذال المصدر. هذا؛ وفي أبي السعود: روي: أنه لما ذبحه؛ قال جبريل عليه السّلام: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، فقال: الذبيح: لا إله إلا الله، والله أكبر، فقال إبراهيم عليه السّلام: الله أكبر، ولله الحمد، فبقي هذا سنة. انتهى. جمل.
الإعراب:{فَلَمّا:} الفاء: حرف عطف، أو حرف استئناف. (لما): انظر الآية السابقة.
{أَسْلَما:} فعل ماض، وألف الاثنين فاعله، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (لما) إليها، أو لا محل لها حسب ما رأيت. {وَتَلَّهُ:} الواو: حرف عطف. (تله): فعل ماض، والفاعل يعود إلى (إبراهيم)، والهاء في محل نصب مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها.
{لِلْجَبِينِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من الضمير المنصوب؛ إذ التقدير: ألقاه، أو طرحه مطروحا على الجبين. {وَنادَيْناهُ:} الواو: حرف عطف. (ناديناه): فعل، وفاعل، ومفعول به. {أَنْ:} حرف تفسير، لسبقه بجملة فيها معنى القول دون حروفه. (يا): أداة نداء تنوب مناب: أدعو. (إبراهيم): منادى مفرد علم مبني على الضم في محل نصب ب: (يا)، والجملة الندائية لا محل لها؛ لأنها مفسرة لمعنى ما قبلها، وجواب (لما) محذوف، التقدير: فلما أسلما، وتله للجبين؛ فديناه بكبش، وجملة:
{وَنادَيْناهُ..}. إلخ معطوفة على هذا المحذوف المقدر، وهذا عند البصريين، وقال الكوفيون:
الجواب جملة (ناديناه...) إلخ، والواو زائدة مقحمة، ومثله ما رأيت بقوله تعالى:{وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ..}. إلخ رقم [٩٧] من سورة (الأنبياء)، وقوله تعالى:{فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا..}. إلخ رقم [١٥]، من سورة (يوسف) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف