كما قال تعالى: {وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧) أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ} الزخرف [١٧] و [١٨] والثالث: أنهم استهانوا بأكرم خلق الله عليه، وأقربهم إليه؛ حيث أنثوهم، ولو قيل لأقلهم، وأدناهم: فيك أنوثة، أو شكلك شكل النساء؛ للبس لقائله جلد النمر، ولانقلبت حماليقه، وذلك في أهاجيهم بيّن مكشوف، فكرر الله سبحانه الأنواع كلها في كتابه مرات، ودل على فظاعتها في آيات كثيرة، انتهى. هذا؛ والذين زعموا: أن الملائكة بنات الله هم قبيلة جهينة، وخزاعة، وبنو مليح، وبنو سلمة، وبنو عبد الدار.
{أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ} أي: حاضرون لخلقنا إياهم إناثا، وهذا كقوله تعالى:{وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} سورة الزخرف رقم [١٩]{أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ:} من كذبهم، وافترائهم. وانظر الآية رقم [٨٤]. {لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللهُ} أي: صدر منه الولد بزعمهم. {وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ:} فيما يقولون ويفترون على الله. {أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ} أي: أي شيء يحمله على أن له البنات دون البنين، فهو كقوله تعالى في سورة (الإسراء) رقم [٤٠]: {أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً}.
هذا؛ والهمزة في قوله:{أَصْطَفَى} هي همزة الاستفهام؛ التي هي للتوبيخ، دخلت على ألف الوصل، وأصله:(أاصطفى) فحذفت الألف الثانية؛ لأنها ألف وصل. فإن قيل: فهلا أتوا بمدة بعد الألف، فقالوا: آصطفى؟ كقوله تعالى:{اللهِ خَيْرٌ،} وقوله تعالى: {قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ..}. إلخ قيل له: كان الأصل: (أألله)(أألذّكرين)، فأبدلوا من الألف الثانية مدة؛ ليفرقوا بين الاستفهام والخبر، وذلك لو أنهم قالوا: الله خير بلا مدّ، لالتبس الاستفهام بالخبر، ولم يحتاجوا إلى هذه المدة في قوله:(آصطفى) لأن ألف الاستفهام مفتوحة، وألف الخبر مكسورة، وذلك: أنك تقول في الاستفهام: (أطّلع، أفترى، أصطفى، أستغفرت) بفتح الألف، وتقول في الخبر:(اطّلع، افترى، اصطفى، استغفرت لهم) بالكسر، فجعلوا الفرق بالفتح، والكسر، ولم يحتاجوا إلى فرق آخر. انتهى. قرطبي.
الإعراب:{فَاسْتَفْتِهِمْ:} الفاء: حرف عطف. (استفتهم): فعل أمر مبني على حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل مستتر تقديره:«أنت». والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به. {أَلِرَبِّكَ:} الهمزة: حرف استفهام إنكاري توبيخي.
(لربك): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {الْبَناتُ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل نصب مفعول به ثان للفعل قبلهما المعلق عن العمل لفظا بسبب الاستفهام، والجملة الاسمية:{وَلَهُمُ الْبَنُونَ} معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مفعول به مثلها،