للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآية رقم [٢١] من سورة (المجادلة): {كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي،} وقال في الآية رقم [٥١] من سورة (غافر): {إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ}. {وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ} أي: لهم النصرة في العاقبة. كيف لا؛ وقد أوجبها على نفسه جلت قدرته، وتعالت حكمته حيث قال في سورة (الروم): {وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} وهذا يفيد حتما:

أن الله لا ينصر الفاسقين، الذين يحاربونه، ويحاربون تعاليمه، ويعادون هدي نبيه صلّى الله عليه وسلّم. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٤٧] من سورة (الروم)، وخذ ما يلي:

عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال: أقبل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «يا معشر المهاجرين! خمس خصال إذا ابتليتم بهنّ-وأعوذ بالله أن تدركوهن-: لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ حتّى يعلنوا بها؛ إلاّ فشا فيهم الطّاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الّذين مضوا. ولم ينقصوا المكيال والميزان إلاّ أخذوا بالسّنين، وشدّة المؤونة، وجور السّلطان عليهم. ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلاّ منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا. ولم ينقضوا عهد الله، وعهد رسوله، إلاّ سلّط الله عليهم عدوّا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم. وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله تعالى، ويتخيّروا فيما أنزل الله إلاّ جعل الله بأسهم بينهم». رواه ابن ماجه، والبيهقي، والبزار.

هذا؛ وقد عبر الله بقوله: {كَلِمَتُنا} وهي كلمات في الحقيقة؛ لأنها لما انتظمت في معنى واحد، كانت في حكم كلمة مفردة، والمراد: الوعد بعلوهم على عدوهم في مقام الحجاج، وملاحم القتال في الدنيا، وعلوهم عليهم في الآخرة. قال تعالى في سورة (البقرة) رقم [٢١١]:

{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ}. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: إن لم ينصروا في الدنيا؛ نصروا في العقبى. والحاصل: أن قاعدة أمرهم، وأساسه، والغالب منه الظفر، والنصرة، وإن وقع في تضاعيف ذلك شوب من الابتلاء، والمحنة، كالذي وقع للمسلمين في غزوة أحد، وفي غزوة الخندق، والعبرة للغالب، وقد حقق الله وعده ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده بعد غزوة الأحزاب، وقبل وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وما تحقق من انتصارات في عهد الخلفاء الراشدين، أكبر شاهد على ذلك.

تنبيه: في (كلمة) ثلاث لغات: الأولى: كلمة على وزن نبقة، وهي الفصحى ولغة أهل الحجاز، وبها نطق القرآن الكريم في آيات كثيرة، وجمعها: كلم، كنبق. والثانية: كلمة على وزن: سدرة. والثالثة: كلمة على وزن: تمرة، وهما لغتا تميم، وجمع الأولى: كلم، كسدر، وجمع الثانية: كلم، كتمر، وكذلك كل ما كان على وزن: فعل، نحو: كبد، وكتف، فإنه يجوز فيه اللغات الثلاث، فإن كان الوسط حرف حلق جاز فيه لغة رابعة، وهي إتباع الأول للثاني في الكسر، نحو فخذ، وشهد، وهي في الأصل: قول مفرد، مثل: محمد، ومحمود، وقام، وقعد،

<<  <  ج: ص:  >  >>