للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان سيّان أن لا يسرحوا نعما... أو يسرحوه بها واغبرّت السّوح

ويقال: احمرّ اللّوح، واغبرت السوح: إذا وقع الجدب. ويقال في معرض الدعاء: عمر الله تعالى بك ساحتك. {فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ} أي: بئس صباح الذين أنذروا بالعذاب. وخص الصباح بالذكر؛ لأن العذاب كان يأتيهم فيه، ومنه الحديث الذي رواه أنس-رضي الله عنه- قال: لما أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خيبر؛ وكانوا خارجين إلى مزارعهم، ومعهم المساحي، فقالوا:

محمد والخميس، ورجعوا إلى حصنهم، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «الله أكبر خربت خيبر، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم، فساء صباح المنذرين». أخرجه البخاري، ومسلم، والمراد: بقولهم: الخميس: الجيش.

هذا؛ وفي الآية الكريمة استعارة تمثيلية: مثّل للعذاب النازل بهم بجيش هجم عليهم، فأناخ بفنائهم بغتة، ونصحهم بعض النصائح، فلم يلتفتوا إلى إنذاره، ولا أخذوا أهبتهم؛ حتى اجتاحهم الجيش، فشنّ عليهم الغارة، وقطع دابرهم. وما فصحت هذه الآية، ولا كانت لها الروعة؛ التي تحس بها، ويروقك موردها، إلا لمجيئها على طريقة التمثيل، انتهى. كشاف، وغيره. وقال البيضاوي: والصباح مستعار من صباح الجيش المبيّت لوقت نزول العذاب.

ولما كثر فيهم الهجوم، والغارات في الصباح؛ سموا الغارة: صباحا؛ وإن وقعت في وقت آخر.

{وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتّى حِينٍ..}. إلخ: أعاد هاتين الآيتين ليكون تسلية على تسلية، وأكيدا لوقوع الميعاد إلى تأكيد، وفيه فائدة زائدة، وهي إطلاق الفعلين معا عن التقييد بالمفعول، وأنه يبصر، وهم يبصرون ما لا يحيط به الذكر من صنوف المسرة، وأنواع المساءة. وقيل: أريد بالأول عذاب الدنيا، وبالآخر عذاب الآخرة. انتهى. كشاف.

هذا {وَتَوَلَّ:} أعرض. والتولي، والإعراض، والإدبار عن الشيء يكون بالجسم، ويستعمل في الإعراض عن الأمور، والاعتقادات اتساعا، ومجازا. هذا؛ ويجوز في الآية الأولى أن يكون (ساء) على بابه من التصرف، والتعدي، ومفعوله محذوف، أي: ساءهم صباح المنذرين، وأن يكون جاريا مجرى بئس، فيحول إلى «فعل» بالضم، ويمتنع تصرفه، ويصير للذم، ويكون المخصوص بالذم محذوفا، كما تقرر غير مرة، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {فَإِذا:} الفاء: حرف استئناف. (إذا): انظر الآية رقم [١٣]. {نَزَلَ:} فعل ماض، والفاعل مستتر، تقديره: «هو» يعود إلى العذاب المفهوم من الفعل السابق. {بِساحَتِهِمْ:}

جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (إذا) إليها على المشهور المرجوح. {فَساءَ:} الفاء: واقعة في جواب (إذا). (ساء):

فعل ماض جامد دال على إنشاء الذم. {صَباحُ:} فاعله، و {صَباحُ} مضاف، و {الْمُنْذَرِينَ} مضاف إليه مجرور، والمخصوص بالذم محذوف، تقديره: فساء صباح المنذرين صباحهم هذا.

وقدر الجلال الكلام كما يلي: فبئس صباحا صباح المنذرين. قال سليمان الجمل-رحمه الله

<<  <  ج: ص:  >  >>