للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ وقد وردت أحاديث كثيرة في كفارة المجلس مذكورة في كتاب: «الترغيب والترهيب» للحافظ المنذري، أكتفي بما يلي: فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من جلس مجلسا كثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أستغفرك، وأتوب إليك؛ إلاّ غفر له ما كان في مجلسه ذلك». رواه أبو داود والترمذي، والنسائي، والحاكم، وابن حبان.

هذا؛ و {الْعالَمِينَ} جمع: عالم بفتح اللام، وجمع لاختلاف أنواعه، وهو جواب عما يقال: إنه اسم جنس يصدق على كل ما سوى الله، والجمع لا بد أن يكون له أفراد ثلاثة فأكثر، وجمع بالياء والنون تغليبا للعقلاء على غيرهم، وهو يقال لكل ما سوى الله، ويدل له قول موسى-على نبينا، وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-لما قال له فرعون: {وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ}. هذا؛ والعوالم كثيرة لا تحصيها الأرقام، وهي منتشرة في هذا الكون المترامي الأطراف، في البر، والبحر؛ إذ كل جنس من المخلوقات يقال له: عالم، قال الله تعالى: {وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّ هُوَ}.

هذا؛ و (سلام) اسم مصدر، لا مصدر؛ لأن المصدر: تسليم؛ لأنه من سلّم، يسلّم بتشديد اللام فيهما. وقيل: هو مصدر على حذف الزوائد، ومثله: عطاء، وعذاب، ونبات؛ لأعطى؛ وعذّب، وأنبت.

أما {سُبْحانَ} فهو اسم مصدر، وقيل: هو مصدر، مثل: غفران، وليس بشيء؛ لأن الفعل سبّح بتشديد الباء، والمصدر تسبيح، ولا يكاد يستعمل إلا مضافا منصوبا بإضمار فعله، مثل معاذ الله، وقد أجري علما على التسبيح، بمعنى: التنزيه على الشذوذ في قول الأعشى: [السريع] قد قلت لمّا جاءني فخره: ... سبحان من علقمة الفاخر؟

وتصدير الكلام به اعتذار عن الاستفسار، والجهل بحقيقة الحال، ولذلك جعل مفتاح التوبة فقال موسى-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ}.

وقد نزه الله ذاته في كثير من الآيات بنفسه تنزيها لائقا بجلاله، وعظمته، وجملة القول فيه: هو اسم موضوع موضع المصدر، وهو غير متمكن؛ لأنه لا يجري بوجوه الإعراب، من رفع، وجر، ولا تدخل عليه الألف واللام، ولم يجئ من لفظه فعل، وذلك مثل: قعد القرفصاء. ولم ينصرف؛ لأن في آخره زائدتين: الألف، والنون، ومعناه: التنزيه والبراءة لله-عز وجل-من كل نقص، فهو ذكر عظيم لله تعالى، لا يصلح لغيره. وقد روي عن طلحة الخير بن عبيد الله-أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم أجمعين-أنه قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: ما معنى سبحان الله؟ فقال:

«تنزيه الله من كلّ سوء». والعامل فيه على مذهب سيبويه الفعل الذي من معناه، لا من لفظه؛ إذ لم يجر له من لفظه فعل، وذلك مثل: قعد القرفصاء. فالتقدير عنده: أنزّه الله تنزيها. فوقع (سبحان الله) مكان قولك: تنزيها لله.

<<  <  ج: ص:  >  >>