لقد أسمعت من ناديت حيّا... ولكن لا حياة لمن تنادي
ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لمن رأى رؤيا الأذان: «ألقه على بلال فإنّه أندى منك صوتا». أي:
أرفع صوتا منك.
{وَلاتَ حِينَ مَناصٍ} أي: وليس الوقت وقت فرار، وهرب من العذاب؛ الذي حل بهم، أي:
فلم ينفعهم نداؤهم، واستغاثتهم حين نزل العذاب بهم، قال الفراء: [الطويل]
أمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص... فتقصر عنها خطوة وتبوص
تنوص: تتأخر، وتهرب، وتبوص: تتقدم، يقال: ناص عن قرنه، ينوص نوصا، ومناصا، أي: فر، وزاغ. وقال النحاس: ويقال: ناص ينوص: إذا تقدم. فعلى هذا يكون من الأضداد.
هذا؛ و {وَلاتَ} هي لا النافية زيدت عليها تاء التأنيث الساكنة لتقوي شبهها ب: «ليس» لأنها بتلك التاء تصير على وزنها، وهذه التاء لتأنيث اللفظ عند الجمهور، كتاء: ربّت وثمّت، وإنما حركت بالفتح للتخلص من التقاء الساكنين، وفرقا بينها وبين الداخلة على الفعل.
وأما الوقف عليها ففيه مذهبان: المشهور عند العرب، وجماهير القراء السبعة بالتاء، والكسائي وحده بالهاء، والأول مذهب الخليل، وسيبويه، والزجاج، والفراء، وابن كيسان. والثاني مذهب المبرد، وأغرب أبو عبيد، فقال: الوقف على «لا» والتاء متصلة ب: {حِينَ}. هذا؛ وخصت بلزوم دخولها على الأحيان، وحذف أحد المعمولين. وقال ابن مالك-رحمه الله تعالى- في ألفيته: [الرجز]
وما للات في سوى حين عمل... وحذف ذي الرّفع فشا والعكس قل
هذا؛ وقرئ بجر (حين) ومثله قول أبي زبيد الطائي، وهو الشاهد رقم (٤٥٧) من كتابنا:
«فتح القريب المجيب»: [الخفيف]
طلبوا صلحنا ولات أوان... فأجبنا أن لات حين بقاء
وهو على أحد توجيهين: إما؛ لأن «لات» تجر الأحيان، كما أن «لولا» تجر الضمائر، كقول عمر بن أبي ربيعة: [السريع]
أومت بعينيها من الهودج... لولاك في ذا العام لم أحجج
أو لأن «أوان» شبه ب: «إذ» لأنه مقطوع عن الإضافة؛ إذ أصله: أوان صلح، ثم حمل عليه (مناص) تنزيلا لمّا أضيف إليه الظرف منزلته لما بينهما من الاتحاد؛ إذ أصله حين مناصهم، ثم بني الحين لإضافته إلى غير متمكن. انتهى. بيضاوي، ويمكن التمثيل أيضا بقول المتنبي-وهو الشاهد رقم (٢٦٣) من كتابنا: «فتح رب البرية» إعراب شواهد جامع الدروس العربية-: [البسيط]
لقد تصبّرت حتّى لات مصطبر... والآن أقحم حتّى لات مقتحم