رسلهم، وقد كانوا أقوى من قومك، وأكثر أموالا، وأولادا. وانظر ما ذكرته في شرح قوم في الآية رقم [٣٠] من سورة (الصافات)، وما أحراك أن تنظر شرح أحوال تلك الأقوام في سورة (الشعراء) بالتفصيل، وكذلك في سورة (الأعراف) وسورة (هود). وأصحاب الأيكة: هم قوم شعيب المذكورون في آخر سورة (الشعراء)، وثمود: هم قوم صالح، وعاد: هم قوم هود.
{أُولئِكَ الْأَحْزابُ:} الذين تحزبوا على رسلهم. {إِنْ كُلٌّ} أي: ما كل أمة. {إِلاّ كَذَّبَ الرُّسُلَ} أي: كل أمة كذبت رسولها. وجمع {الرُّسُلَ} لأن في تكذيب الواحد منهم تكذيب للجميع، لاتحاد دعوتهم، وهي: طلب التوحيد، ونبذ الشرك وعبادة الأوثان، على اختلاف أنواعها، وانظر شرح الرسل مفصلا في الآية رقم [١] من سورة (الأحزاب). {فَحَقَّ عِقابِ} أي:
فاستحقوا عقابي، أو: وجب عليهم عقابي لسوء أعمالهم، وخبث نياتهم.
هذا؛ وقال الزمخشري في كشافه: وفي تكرير التكذيب، وإيضاحه بعد إبهامه، والتنويع في تكريره بالجملة الخبرية أولا، وبالاستثنائية ثانيا، وما في الاستثنائية من الوضع على وجه التوكيد، والتخصيص أنواع من المبالغة المسجلة عليهم باستحقاق أشد العقاب، وأبلغه.
هذا؛ و {ذُو الْأَوْتادِ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: ذو البناء المحكم. وقيل: ذو الملك الشديد الثابت. والعرب تقول: هو في عز ثابت الأوتاد. يريدون بذلك: أنه دائم شديد.
قال الأسود بن يعفر: [الكامل]
ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة... في ظلّ ملك ثابت الأوتاد
وأصله من ثبات البيت المطنّب بأوتاده. قال الراقدة الأودي: [البسيط]
والبيت لا يبتنى إلاّ على عمد... ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
فاستعير لثبات العز، والملك، واستقامة الأمر، وهي استعارة بليغة، فقد شبه الملك بخيمة عظيمة شدت أطنابها بالأوتاد؛ لتثبت، وترسخ، ولا تقتلعها الرياح. ففيه استعارة مكنية. وذكر الأوتاد تخييل. وقيل: ذو الأوتاد: ذو القوة، والبطش. وقال الكلبي، ومقاتل: كان فرعون يعذب الناس بالأوتاد، وكان إذا غضب على أحد؛ مده مستلقيا بين أربعة أوتاد في الأرض، ويرسل عليه العقارب، والحيات؛ حتى يموت. وقيل: كان يشبح المعذب بين أربع سوار، كل طرف من أطرافه إلى سارية مضروب فيها وتد من حديد، ويتركه حتى يموت. وقيل: ذو الأوتاد، أي: ذو الجنود الكثيرة، فسميت الجنود أوتادا؛ لأنهم يقوون أمره، كما يقوي الوتد البيت. هذا؛ وذكر هذا اللفظ في سورة (الفجر) فقط. هذا؛ ومفرده: وتد، وهو ما رزّ في الأرض، أو في الحائط من خشب، وغيره، وهو بكسر التاء، وفتحها لغة قال الشاعر: [البسيط]
ولا يقيم على ضيم يراد به... إلاّ الأذلاّن عير الحيّ والوتد
هذا على الخسف مربوط برمّته... وذا يشجّ فلا يرثي له أحد