للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمر برد الخيل إليه، وهو قوله: {رُدُّوها عَلَيَّ} فلما عادت إليه طفق يمسح سوقها، وأعناقها.

والغرض من ذلك المسح أمور:

الأول: تشريفا لها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو. الثاني: أنه أراد أن يظهر: أنه في ضبط السياسة، والمملكة يبلغ أن يباشر الأمور بنفسه. الثالث: أنه كان أعلم بأحوال الخيل، وأمراضها، وعيوبها من غيره، فكان يمسح سوقها، وأعناقها حتى يعلم: هل فيها ما يدل على المرض؟ فهذا التفسير الذي ذكرناه ينطبق عليه لفظ القرآن، ولا يلزمنا شيء من تلك المنكرات، والمحظورات، والعجب من الناس كيف قبلوا هذه الوجوه السخيفة؟!

فإن قيل: فالجمهور قد فسروا الآية بتلك الوجوه، فما قولك فيه؟ فنقول: لنا ههنا مقامان:

المقام الأول: أن يدّعى: أن لفظ الآية لا يدل على شيء من تلك الوجوه؛ التي ذكروها، وقد ظهر، والحمد لله أن الأمر كما ذكرنا ظهورا، لا يرتاب عاقل فيه. المقام الثاني: أن يقال: هب أن لفظ الآية يدل عليه إلا أنه كلام ذكره الناس وإن الدلائل الكثيرة قد قامت على عصمة الأنبياء، ولم يدل دليل على صحة هذه الحكايات. انتهى. خازن.

هذا؛ وقال القرطبي-رحمه الله تعالى-: ومن قال: إن الهاء في {رُدُّوها} ترجع للشمس، فذلك من معجزاته؛ أي: سليمان، وقد اتفق مثل ذلك لنبينا، وحبيبنا، وشفيعنا صلّى الله عليه وسلّم. خرّج الطحاوي في مشكل الحديث عن أسماء بنت عميس-رضي الله عنها-من طريقين: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يوحى إليه، ورأسه في حجر عليّ-رضي الله عنه-فلم يصل العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«أصليت العصر يا علي؟» قال: لا. فقال صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّه كان في طاعتك، وطاعة رسولك، فاردد عليه الشمس». قالت أسماء: فرأيتها غربت، ثم رأيتها بعدما غربت طلعت على الجبال والأرض، وذلك بالصهباء في خيبر. قال الطحاوي: وهذان الحديثان ثابتان، ورواتهما ثقات.

قال القرطبي: وضعف أبو الفرج ابن الجوزي هذا الحديث، فقال: وغلو الرافضة في حب علي-رضي الله عنه-حملهم على أن وضعوا أحاديث كثيرة في فضائله، منها: أن الشمس غابت، ففاتت عليا عليه السّلام العصر، فردّت له الشمس. وهذا من حيث النقل محال، ومن حيث المعنى؛ فإن الوقت قد فات، وعودها طلوع متجدد لا يردّ الوقت. انتهى. بتصرف مني.

وأنا أقول من جانبي: إن هذا الحديث مردود من جهتين: الأولى: إن أسماء بنت عميس -رضي الله عنها-لم تكن عند علي، في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم، بل كانت عند أبي بكر، فإنه هو الذي تزوجها بعد زوجها الأول جعفر بن أبي طالب-رضي الله عنه-. وولدت منه محمد بن أبي بكر، ثم بعد وفاة أبي بكر تزوجها علي. والجهة الثانية لم يكن معقولا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلي العصر، ولا يصليها علي، ثم هو صلّى الله عليه وسلّم يضع رأسه في حجر عليّ، وهل كان علي-رضي الله عنه-يتخلف عن صلاة الجماعة مع النبي صلّى الله عليه وسلّم؟!.

<<  <  ج: ص:  >  >>