له صاحبه: قل إن شاء الله، فلم يقل: إن شاء الله، فطاف عليهنّ جميعا، فلم تحمل منهنّ إلاّ امرأة واحدة جاءت بشقّ رجل، وايم الله الّذي نفسي بيده لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون». وفي رواية: لأطوفن بمئة امرأة. فأجمعون توكيد لواو الجماعة، وبالنصب توكيد لفرسانا.
قال العلماء: والشق هو الجسد الذي ألقي على كرسيه، وهي عقوبته، ومحنته؛ لأنه لم يستثن لما استغرقه من الحرص، وغلب عليه من التمني. وقيل: نسي أن يستثني كما صح في الحديث لينفذ أمر الله، ومراده فيه. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٢٤] من سورة (الكهف) بشأن هذا الاستثناء. وقيل: إن المراد بالجسد الذي ألقي على كرسيه: أنه ولد له ولد، فاجتمعت الشياطين، وقال بعضهم لبعض: إن عاش له ولد لم ننفك من البلاء، فسبيلنا أن نقتل ولده، أو نخبله، فعلم بذلك سليمان-عليه السّلام-فأمر السحاب، فحمله، فكان يربيه في السحاب خوفا من الشياطين، فبينما هو مشتغل في بعض مهماته؛ إذ ألقي ذلك الولد ميتا على كرسيه، فعاتبه الله على خوفه من الشياطين، ولم يتوكل عليه في ذلك، فتنبه لخطئه، فاستغفر ربه، وأناب؛ أي:
رجع إليه بالتوبة، والاستغفار. انتهى. خازن.
هذا؛ وقد نقل القرطبي عن ابن عباس في وصف الكرسي الشيء الكثير، وهو مما يدهش العقول، ويحير الألباب، وقال في آخر وصفه: فلما توفي سليمان بعث بختنصّر، فأخذ الكرسي، فحمله إلى أنطاكية، فأراد أن يصعد إليه، ولم يكن له علم كيف يصعد إليه، فلما وضع رجله ضرب الأسد رجله فكسرها، وكان سليمان إذا صعد وضع قدميه جميعا، ومات بختنصر، وحمل الكرسي إلى بيت المقدس، فلم يستطع قط ملك أن يجلس عليه، ولكن لم يدر أحد عاقبة أمره، ولعله رفع. انتهى. والله أعلم، وأجل، وأكرم.
هذا؛ وقال محمد علي الصابوني في كتابه (صفوة التفاسير): واختار الإمام الفخر: أن الفتنة المذكورة في الآية الكريمة يقصد بها فتنته في جسده؛ حيث إن سليمان ابتلي بمرض شديد، نحل منه، وضعف، حتى صار لشدة المرض كأنه جسد ملقى على كرسي. قال: والعرب تقول في الضعيف: إنه لحم على وضم، وجسم بلا روح. {ثُمَّ أَنابَ} أي: رجع إلى حالة الصحة. ولم أره لغيره، وعليه فالفعل يتعدى إلى مفعولين، حذف الأول، و {جَسَداً} هو المفعول الثاني، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال من {جَسَداً} كان صفة له... إلخ، والتقدير: جسدا ملقى، أو مطروحا على كرسيه.
الإعراب:{وَلَقَدْ:} الواو: حرف قسم وجر، والمقسم به محذوف، تقديره: والله، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم. اللام: واقعة في جواب القسم. (قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {فَتَنّا:} فعل، وفاعل، والجملة الفعلية جواب القسم، لا محل لها، والقسم وجوابه كلام مستأنف، لا محل له. وهو يتضمن عطف قصة سليمان على