للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَإِنَّكَ رَجِيمٌ:} قال الخازن: فإن قلت: إذا كان الرجم بمعنى: الطرد، وكذلك اللعنة لزم التكرار؛ فما الفرق؟ قلت: الفرق: يحصل بحمل الرجم على الطرد من الجنة، أو السماء، وتحمل اللعنة على معنى الطرد من الرحمة، فيكون أبلغ ويحصل الفرق، ويزول التكرار. انتهى.

فإن قلت: كلمة {إِلى} لانتهاء الغاية، وقوله: {إِلى يَوْمِ الدِّينِ} يقتضي انقطاع اللعنة عند مجيء يوم القيامة. قلت: معناه: أن اللعنة باقية عليه في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة زيد له مع اللعنة من أنواع العذاب ما ينسى بذلك اللعنة، فكأنها انقطعت عنه. انتهى.

هذا؛ وظاهر الآيات الكريمة يدل على: أن الجنة التي أسكن الله فيها آدم، وحواء؛ حيث قال له في كثير من الآيات: {اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} هي جنة الخلد التي في السماء، وهذا رأي الجمهور من علماء أهل السنة، وذهبت المعتزلة، والقدرية إلى أن الجنة ليست جنة الخلد، وإنما هي جنة في الأرض، وهي أرض عدن، وشبهتهم: أنها لو كانت جنة الخلد لما وصل إليها إبليس، ولما وقعت فيها معصية آدم؛ لأنها جنة القدس، وباختصار فقد حكى القرطبي: أن أهل السنة مجمعون على أنها جنة الخلد؛ التي أهبط منها آدم عليه السّلام. قال المرحوم عبد الوهاب النجار: وحاصل الخلاف فيها على أربعة أقوال: إنها جنة المأوى. إنها جنة سوى جنة المأوى، اخترعها الله لآدم، وحواء، إنها جنة من جنات الأرض. التوقف في أمرها. انتهى. والذي ندين به ونعتقده: أنها جنة المأوى، وجنة الخلد للأدلة الكثيرة.

تنبيه: من المقطوع به: أن آدم عليه السّلام من الأنبياء، وهو رأي: جمهور العلماء لم يخالف فيه أحد وإنما الخلاف هل هو رسول أم لا؟ ولمن أرسل؟ فيرى بعض العلماء: أنه رسول، وأنه أرسل إلى ذريته. ويرى الآخرون: أنه لم يكن رسولا، وإنما كان نبيا، ويستدل هؤلاء بحديث الشفاعة الوارد في صحيح مسلم: أن الناس يذهبون إلى نوح، ويقولون له: أنت أول رسل الله إلى الأرض. فلو كان آدم رسولا؛ لما ساغ هذا القول. والقائلون برسالة آدم، يؤولون ذلك بأنه أول رسول قبل الطوفان، والله أعلم بحقيقة الأمر، والرأي الأرجح: أنه من الرسل.

هذا؛ وقد عاش آدم عليه السّلام على ما ورد في بعض الآثار ألف عام، ثم مات بعد ذلك، ودفن على المشهور في الهند عند الجبل الذي أهبط فيه. وقيل بجبل أبي قبيس في مكة المكرمة، ولما حضرته الوفاة؛ جاءته الملائكة بكفن، وحنوط من الجنة، وبعد أن غسلوه، وكفنوه حفروا له، وألحدوه، وصلّوا عليه، ثم أدخلوه قبره، فوضعوه فيه ثم حثوا عليه التراب، وقالوا: يا بني آدم! هذه سنتكم. رحم الله آدم، وأسكنه فسيح جنته، وجمعنا معه في دار الخلد آمين. والحمد لله رب العالمين. النبوة والأنبياء للصابوني، جزاه الله خيرا.

الإعراب: {قالَ:} فعل ماض، والفاعل تقديره: «هو» يعود إلى الله. {فَاخْرُجْ:} الفاء: هي الفصيحة، أو هي صلة لتحسين اللفظ. (اخرج): فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت» والجملة لا محل لها؛ لأنها جواب شرط غير جازم، التقدير: وإذا كان ذلك حاصلا، وواقعا؛

<<  <  ج: ص:  >  >>