للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الأعراف) رقم [٥٤]: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً}. {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ:} ذللهما بالطلوع والغروب لمنافع العباد، ولمعرفة الشهور، والفصول، والأعوام.

هذا؛ وذكر الله من آثار قدرته، ودلائل عظمته أمرين: أحدهما: إشارة إلى اتحاد الذات.

والثاني: إشارة إلى اتحاد الصفات، وهي الحركة في الشمس، والقمر، وذكر في السموات، والأرض الخلق، وفي الشمس، والقمر التسخير؛ لأن مجرد خلق الشمس، والقمر ليس حكمة، فإن الشمس لو كانت مخلوقة، بحيث تكون في موضع واحد لا تتحرك؛ ما حصل الليل، والنهار، ولا الصيف، والشتاء، وكذلك القمر لولا زيادته، ونقصانه، ونوره، ومحاقه؛ لما أمكن معرفة الشهور، وعددها، لذا فالحكمة حينئذ إنما هي في تحريكهما، وتسخيرهما. {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} أي: يجري في فلكه إلى أن تنصرم الدنيا، وهو يوم القيامة؛ لأن جريان الشمس، والقمر لا ينقطع إلا حينئذ، ودل أيضا بالليل، والنهار، وتعاقبهما، وزيادتهما، ونقصانهما، وجري النيرين في فلكيهما، كل ذلك يدل على تقدير، وحساب، وبإحاطته بجميع أعمال الخلق على قدرته، وحكمته.

فإن قلت: {يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى،} و (يجري إلى أجل مسمى)، أهو من تعاقب الحرفين؟ قلت: كلا، ولا يسلك هذه الطريقة إلا بليد الطبع، ضيق العطن؛ لأن قولك: (يجري إلى أجل مسمى) معناه يبلغه، وينتهي إليه، وقولك: {يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} تريد يجري لإدراك أجل مسمى، تجعل الجري مختصا بإدراك أجل مسمى، ألا ترى: أن جري الشمس مختص بآخر السنة، وجري القمر مختص بآخر الشهر، فكلا المعنيين غير ناب به موضعه. انتهى. كشاف في غير هذا الموضع.

{أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفّارُ} أي: هو جل وعلا كامل القدرة، لا يغلبه شيء، عظيم الرحمة والمغفرة، والإحسان. قال الصاوي: صدرت الجملة الاسمية بحرف التنبيه ب‍: {أَلا} للدلالة على كمال الاعتناء بمضمونها، كأنه قال: تنبهوا يا عبادي، فإني أنا الغالب على أمري، الستار لذنوب خلقي، فأخلصوا عبادتكم، ولا تشركوا بي أحدا. انتهى. صفوة التفاسير.

الإعراب: {خَلَقَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى الله تقديره: «هو». {السَّماواتِ:}

مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم.

{وَالْأَرْضَ:} معطوف على ما قبله. {بِالْحَقِّ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من الفاعل المستتر، التقدير: ملتبسا بالحق، أو من المفعول، التقدير: ملتبسين بالحق، وأجيز تعليقهما بالفعل قبلهما. وهو قول الجلال. {يُكَوِّرُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى الله.

{اللَّيْلَ:} مفعول به. {عَلَى النَّهارِ:} متعلقان بما قبلهما، وجملة: {يُكَوِّرُ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها، أو هي في محل نصب حال، من فاعل {خَلَقَ} المستتر، والرابط: الضمير فقط،

<<  <  ج: ص:  >  >>