للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دخل النور القلب انشرح، وانفسح». قلنا: يا رسول الله! فما علامات ذلك؟ قال: «الإنابة إلى دار الخلود، والتّجافي عن دار الغرور، والتأهّب للموت قبل نزول الموت».

{فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ} أي: من ترك ذكر الله، أو من أجل ذكر الله؛ أي: إذا ذكر الله عندهم، أو آياته؛ ازدادت قلوبهم قسوة، كقوله تعالى في سورة (التوبة) رقم [١٢٥] {فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ} فإنهم كلما تلي ذكر الله على الذين يكذبون به؛ قست قلوبهم عن الإيمان به. وقيل: إن النفس إذا كانت خبيثة الجوهر، كدرة العنصر، بعيدة عن قبول الحق؛ فإن سماعها لذكر الله لا يزيدها إلا قسوة، وكدورة، كحر الشمس يلين الشمع، ويعقد الملح، فكذلك القرآن يلين قلوب المؤمنين عند سماعه، ولا يزيد الكافرين، والملحدين، والفاجرين إلا قسوة. قال مالك بن دينار: ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب، وما غضب الله تعالى على قوم إلا نزع الرّحمة منهم. انتهى. خازن.

وعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله تعالى: اطلبوا الحوائج من السّمحاء، فإني جعلت فيهم رحمتي، ولا تطلبوها من القاسية قلوبهم، فإني جعلت فيهم سخطي». انتهى. قرطبي. وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإنّ كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإنّ أبعد النّاس من الله تعالى القلب القاسي». رواه الترمذي. وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: سمعت الصادق المصدوق صاحب هذه الحجرة أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تنزع الرّحمة إلاّ من شقيّ». رواه أبو داود والترمذي.

أما أسباب قسوة القلب؛ فإني أوجزها لك بما يلي: منها: أكل الحرام، فإن الشخص الذي لا يبالي من أين أكل من الحلال، أم من حرام، تخبث نفسه، ويقسو قلبه، وتفحش أعماله، وتسوء أخلاقه. ومنها: اتباع الهوى، والانقياد للشيطان الرجيم، فإن الشخص الذي يسلسل لنفسه قيادها؛ تجره إلى المهالك، والذي ينقاد إلى شيطانه؛ يأمره بكل شر، وينهاه عن كل خير.

ومنها: كثرة الشغف بالمجادلة، والمخاصمة بالباطل. فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم قرأ: {ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً»}. رواه الترمذي، وابن ماجه. وقال أنس بن مالك-رضي الله عنه-: المراء يقسي القلوب، ويورث الضغائن. ومنها: الغفلة عن ذكر الله تعالى، وعدم مراقبته في السر والعلن، والإعراض عن أداء واجبات الله تعالى، كالصلاة، وغيرها، فإن الشخص الذي يعرض عن الله؛ يعرض الله عنه، ويكله إلى شيطانه. مصداقا لقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}. ورحم الله ابن المبارك؛ إذ يقول: [المتقارب]

رأيت الذّنوب تميت القلوب... وقد يورث الذّلّ إدمانها

وترك الذنوب حياة القلوب... وخير لنفسك عصيانها

<<  <  ج: ص:  >  >>