ذكرت، ألا ترى: أنّ أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه كن يتكلّفن الطّحين، والخبيز، والطبيخ، وفرش الفراش، وتقريب الطعام، وأشباه ذلك، ولا نعلم امرأة امتنعت من ذلك، ولا يسوغ لها الامتناع، بل كانوا يضربون نساءهم إذا قصّرن في ذلك، وقول فاطمة الزهراء-رضي الله عنها-:
«طحنت حتّى مجلت يداي» مشهور. والرسول صلّى الله عليه وسلّم اعتبرها مجاهدة؛ إذا قامت بشئون بيتها، وتربية أولادها، فالمغزل في يدها كالسّيف في يد زوجها، وخذ ما يلي:
عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: جاءت امرأة إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله! إنّي وافدة النساء إليك؛ هذا الجهاد كتبه الله على الرّجال، فإن يصيبوا؛ أجروا، وإن قتلوا؛ كانوا أحياء عند ربهم يرزقون، ونحن معشر النساء نقوم عليهم، فما لنا من ذلك؟.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«أبلغي من لقيت من النّساء: أنّ طاعة الزّوج، واعترافا بحقّه يعدل ذلك، وقليل منكنّ يفعله». رواه الطّبرانيّ، والبزار.
بعد هذا أذكر: أنّ تزوج المرأة بالزّوج الثاني لا بدّ من الدّخول فيها على مذهب الجمهور، وأنّه لا يكفي العقد عليها؛ لما روى البخاريّ، ومسلم عن عائشة-رضي الله عنها-قالت:
جاءت امرأة رفاعة القرظي، واسمها تميمة، وقيل: عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك القرظي، وكانت عند ابن عمها رفاعة بن وهب بن عتيك القرظي، فطلقها ثلاثا، وتزوجت غيره، فجاءت للنبي صلّى الله عليه وسلّم وقالت: يا رسول الله كنت عند رفاعة، فطلقني، فبتّ طلاقي، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزّبير-بفتح الزاي المشددة-وإنما معه مثل هدبة الثّوب، فتبسّم الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وقال:
«أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟» قالت: نعم. قال:«لا؛ حتّى يذوق عسيلتك، وتذوقي عسيلته» وأبو بكر جالس.
فإذا علم الزّوج من نفسه: أنّه لا يقدر أن يقوم بحقوق الزوجة المادية، والمعنوية؛ فلا يحل له الإقدام على خطبة أنثى، والعقد عليها؛ حتّى يبيّن لها، وكذلك يجب على المرأة إذا علمت من نفسها العجز عن قيامها بحقوق الزوج، أو كان بها علّة تمنع الاستمتاع بها، ومتى وجد أحد الزوجين بصاحبه عيبا؛ فله الردّ، فإن كان العيب بالرّجل؛ فلها الصداق إن كان دخل بها، وإن لم يدخل بها؛ فلها نصفه، وإن كان العيب بالمرأة؛ ردّها الزوج، وأخذ ما أعطاها من الصّداق، فقد روي: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تزوج امرأة من بني بياضة، فوجد بكشحها برصا، فردّها، وقال:«دلّستم عليّ». ومن المنصوص عليه في الفقه من العيوب: الجنون، والجذام، والبرص، والرّتق، والقرن، وأذكر من العيوب هنا: أنه إذا تزوجها بكرا، فوجدها ثيبا، أو كانت لا تأتيها العادة الشّهرية منتظمة-وهذا قد يمنع الحمل-ففي هاتين الحالتين إن وطئها تكن الحقوق بالمصالحة، والتّسامح. والله أعلم.
هذا؛ والحكمة من تزوّج المرأة بالزّوج الثاني الزّجر، والرّدع عن التّسرّع إلى الطلاق، والنفور منه، ومن العود إلى المرأة المطلقة ثلاثا، والرغبة فيها. والنكاح بشرط التحليل فاسد