لهم: ما تقولون في رجل مملوك، قد اشترك فيه شركاء، بينهم اختلاف وتنازع، كل واحد يدعي: أنه عبده، وهم يتجاذبونه في مهن شتّى، فإذا عنّت لهم حاجة؛ يتدافعونه، فهو متحير في أمره لا يدري أيهم يرضي بخدمته؟، وعلى أيهم يعتمد في حاجاته؟ وفي رجل آخر مملوك، قد سلم لمالك واحد، يخدمه على سبيل الإخلاص، وذلك السيد يعين خادمه في حاجاته، فأي هذين أحسن حالا وأحمد شأنا؟!
وهذا مثل ضربه الله تعالى للكافر الذي يعبد آلهة شتّى، والمؤمن الذي يعبد الله تعالى وحده، فكان حال المؤمن الذي يعبد إلها واحدا أحسن وأصلح من حال الكافر الذي يعبد آلهة شتّى. {هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً} أي: لا يستويان في الحال، والصفة، والجواب: لا يستويان.
فالاستفهام للإنكار، والنفي. انتهى. خازن.
{الْحَمْدُ لِلّهِ:} الواحد الأحد، الذي لا شريك له دون كل معبود سواه؛ أي: يجب أن يكون الحمد متوجها إليه وحده، والعبادة خالصة لوجهه الكريم. {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ:} أن الله تعالى هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له. وذكر الأكثر إما؛ لأن بعضهم لا يعرف الحق لنقصان عقله، أو لتقصيره في النظر، أو لم تقم عليه الحجة؛ لأنه لم يبلغ حد التكليف، أو لأنه يقوم مقام الكل. وخذ قول الشاعر: [البسيط]
لم يبق من جلّ هذا الناس باقية... ينالها الوهم إلاّ هذه الصور
لا يدهمنك من دهمائهم عدد... فإنّ جلّهم بل كلّهم بقر
دهمه: غشيه، يقول: لا يدهمنك من جماعتهم الكثيرة عدد فيهم غناء، ونصرة، فإن كلهم كالأنعام، والبهائم، ولله در القائل: [المنسرح]
لا يدهمنك اللّحاء والصور... تسعة أعشار من ترى بقر
في شجر السّرو منهم شبه... له رواء ما له ثمر
ورضي الله عن حسان بن ثابت إذ يقول: [البسيط]
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم... جسم الجمال وأحلام العصافير
وخذ قوله تعالى في سورة (الروم) رقم [٧]: {يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ}.
هذا؛ وقال الزمخشري: التشاكس، والتشاخس: الاختلاف، تقول: تشاكست أحواله، وتشاخست أسنانه. انتهى. وقرئ {سَلَماً} بقراآت كثيرة. هذا؛ وتخصيص الرجل بالذكر؛ لأنه أفطن للضر، والنفع من المرأة، والصبي؛ لأنهما قد يغفلان. هذا؛ والرجل مأخوذ من الرجولة، وهي البطولة، والشهامة وغيرهما من الصفات النبيلة. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.