التسبيح إلا بعد الإيمان. فما فائدة قوله:{وَيُؤْمِنُونَ بِهِ؟} قلت: فائدته التنبيه على شرف الإيمان، وفضله، والترغيب فيه، ولما كان الله عز وجل محتجبا عنهم بحجب جلاله، وجماله، وكماله؛ وصفهم بالإيمان به.
قال شهر بن حوشب-رضي الله عنه-: حملة العرش ثمانية: أربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على حلمك بعد علمك. وأربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك، ولهذا يقولون إذا استغفروا للذين آمنوا:{رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً} أي: رحمتك تسع ذنوبهم، وخطاياهم، وعلمك محيط بجميع أعمالهم، وأقوالهم، وحركاتهم وسكناتهم. هذا؛ وقال المفسرون: وفي وصف الله تعالى بالرحمة، والعلم -وهو ثناء قبل الدعاء-تعليم العباد أدب السؤال، والدعاء، فهم يبدؤون دعاءهم بأدب، ويستمطرون إحسانه، وفضله، وإنعامه. وتقديم الرحمة؛ لأنها المقصودة بالذات هاهنا.
{فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} أي: فاصفح عن المسيئين إذا تابوا، وأنابوا، وأقلعوا عما كانوا فيه، واتبعوا ما أمرتهم به من فعل الخير، وترك المنكرات. {وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ} أي:
واحفظهم من عذاب الجحيم، وهو العذاب الموجع المؤلم.
والمعنى: اجعل بينهم، وبينه وقاية بأن تلزمهم الاستقامة في أمورهم، وتتم نعمتك عليهم بتوفيقهم لعبادتك، وطاعتك فإنك وعدت من كان كذلك بذلك، ولا يبدل القول لديك. وإن كان يجوز أن تفعل ما تشاء، وإن الخلق عبيدك. انتهى. جمل نقلا من الخطيب. ولا تنس: أنّ في الكلام تغليبا؛ لأن دعاء الملائكة للذكور يشمل الإناث المؤمنات بلا ريب، وهذا التغليب تجده في كثير من الآيات، والألفاظ، مثل:{يُؤْمِنُونَ،}{يَعْمَلُونَ،}{يَدْخُلُونَ..}. إلخ.
قال إبراهيم النخعي: كان أصحاب عبد الله يقولون: الملائكة خير من ابن الكوّاء، هم يستغفرون لمن في الأرض، وابن الكوّاء يشهد عليهم بالكفر. قال إبراهيم: وكانوا يقولون لا يحجبون الاستغفار عن أحد من أهل القبلة. وقال مطرّف بن عبد الله: وجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة، ووجدنا أغش عباد الله لعباد الله الشيطان، وتلا هذه الآية. وقال يحيى بن معاذ الرازي لأصحابه في هذه الآية: افهموها فما في العالم جنّة أرجى منها، إن ملكا واحدا لو سأل الله أن يغفر لجميع المؤمنين؛ لغفر لهم، كيف وجميع الملائكة، وحملة العرش يستغفرون للمؤمنين؟ وقال خلف بن هشام البزار القارئ: كنت أقرأ على سليم بن عيسى، فلما بلغت:
{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} بكى، ثم قال: يا خلف! ما أكرم المؤمن على الله؛ نائما على فراشه؛ والملائكة يستغفرون له!. انتهى. قرطبي.
هذا؛ وابن الكوّاء من الخوارج، وهم كفروا معاوية، وعمرو بن العاص، وأخيرا كفروا عليّا -رضي الله عنه-وتاريخهم، وقصصهم، وحكاياهم في التاريخ الإسلامي مشهورة مسطورة.