للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ} أي: ليرضعن، فهو خبر بمعنى الأمر، وهذا الأمر للندب، وللوجوب، فالأوّل عند وجود ثلاثة شروط: قدرة الأب على الاستئجار، ووجود غير الأم، وقبول الولد للبن غيرها، وللوجوب عند فقد واحد منها. هذا؛ وإن تربية الطفل بلبن الأم أصلح من غيرها، لكمال شفقتها عليه، ويدلّ على أنه لا يجب على المرأة إرضاع ولدها قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} ولو وجب عليها الرضاع؛ لما استحقّت الأجرة. وقال تعالى: {وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى} سورة (الطلاق) هذا نصّ صريح في ذلك، انظر شرح الآية هناك، فإنه جيد، والحمد لله!.

{حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ:} الحول، والعام، والسّنة بمعنى واحد، والحول: من: (حال): إذا انقلب من حال إلى حال، و {كامِلَيْنِ:} توكيد؛ لأنّه مما يتسامح فيه، فيقال: أقمت عند فلان يومين -والقائل يريد يوما وبعض اليوم الآخر-كما في قوله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} وقد مرّ في الآية رقم [٢٠٣]. {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي: وعلى الأب نفقة الوالدات المطلّقات، وكسوتهن بما هو متعارف عليه بدون إسراف، ولا تقتير لتقوم بخدمة الولد حقّ القيام، وإنما عبر سبحانه بهذا؛ لأن الوالدات إنما ولدن للآباء، ولذلك ينسب الولد للأب دون الأم، وينسب للمأمون ما يلي: [البسيط]

لا تزدرين فتى من أن يكون له... أمّ من الرّوم أو سوداء عجماء

فإنّما أمّهات النّاس أوعية... مستودعات وللأبناء آباء

هذا ولم تحذف النون من (تزدرين) مع كونه مجزوما ب‍ (لا) الناهية لضرورة الشعر.

والهاء في (له) عائدة على (ال) لأنّ المعنى: الذي يولد له، وهو الوالد. هذا؛ والرضاع المحرّم هو الذي يكون في حدود الحولين، وبعدهما لا تحريم بالرّضاع، كما رأيته في الآية رقم [٢٣] من سورة (النساء).

{لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاّ وُسْعَها:} إلا طاقتها، ومقدرتها على الإنفاق، والمعنى: أن أبا الولد لا يكلّف في الإنفاق عليه، وعلى أمّه إلا ما قد تتّسع به مقدرته، كذلك لا تكلف المرأة الصّبر على التقتير في الأجرة، بل يراعى القصد، والاعتدال، وفي هذه الأيام القاضي الشّرعي هو الذي يقرّر نفقة المطلقة، ونفقة الولد حسب دخل الرّجل الشّهري، هذا، وكثيرا ما نسمع من ويلات الطلاق من قبل الفاسقين، والفاسدين؛ الذين ينكحون ثانية، وثالثة، ويتركون الأولى، ويدعون لها أولادها بدون إنفاق عليها، وعلى أولادهم؛ سواء طلّقوا، أم لم يطلقوا! فلا حول ولا قوة إلا بالله!.

هذا؛ وفي هذه الآية دليل على أنّ الحضانة للأم، ويقدر مدّتها في هذه الأيام القاضي الشرعي، والرّسول صلّى الله عليه وسلّم قال للأم: «أنت أحقّ به ما لم تنكحي». فقد روى أبو داود عن

<<  <  ج: ص:  >  >>