لقومه ردا على ما أشار به هذا الرجل الصالح البار الراشد: {ما أُرِيكُمْ إِلاّ ما أَرى} أي: ما أقول لكم، وأشير عليكم إلا ما أراه لنفسي، وقد كذب فرعون، فإنه كان يتحقق صدق موسى-عليه السّلام-فيما جاء به من الرسالة، كما قال تعالى في سورة (النمل) رقم [١٤]: {وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا} فقد كذب فرعون، وافترى، وخان رعيته فغشهم، وما نصحهم.
{وَما أَهْدِيكُمْ إِلاّ سَبِيلَ الرَّشادِ} أي: وما أدعوكم إلا إلى طريق الحق، والصدق، والرشد، وقد كذب أيضا في ذلك. وإن كان قومه قد أطاعوه، واتبعوه. قال الله تبارك وتعالى في سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام رقم [٩٧]: {فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ}.
وقال جلت عظمته، وتعالت حكمته في سورة (طه) رقم [٧٩]: {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى}.
وخذ ما يلي: عن معقل بن يسار-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من عبد يسترعيه الله عز وجل رعية يموت يوم يموت، وهو غاشّ رعيّته إلا حرّم الله تعالى عليه الجنة». وفي رواية «فلم يحطها بنصحه لم يرح رائحة الجنّة». رواه البخاري ومسلم.
الإعراب: {يا قَوْمِ:} (يا): أداة نداء تنوب مناب: (أدعو). (قوم): منادى منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة للتخفيف، والياء المحذوفة ضمير في محل جر بالإضافة، وحذف الياء هذه إنما هو بالنداء خاصة؛ لأنه لا لبس فيه، ومنهم من يثبت الياء ساكنة، فيقول: (يا قومي). ومنهم من يثبتها، ويحركها بالفتحة، فيقول: (يا قومي) ومنهم من يقلبها ألفا بعد فتح ما قبلها، فيقول: (يا قوما) ومنهم من يحذف الياء بعد قلبها ألفا، وإبقاء الفتحة على الميم دليلا عليها، فيقول: (يا قوم). قال ابن مالك في ألفيته: [الرجز]
واجعل منادى صحّ إن يضف ليا... كعبد عبدي عبد عبدا عبديا
ويزاد سادسة، وهي لغة القطع: (يا قوم) بضم الميم، ففي الحديث الشريف: «يقول:
يا ربّ! يا ربّ!» وقرئ في سورة (يوسف) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ..}. إلخ. {لَكُمُ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {الْمُلْكُ:}
مبتدأ مؤخر. {الْيَوْمَ:} ظرف زمان متعلق ب: {الْمُلْكُ}. وقيل: متعلق بالخبر المحذوف، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١٦] عن أبي البقاء. {ظاهِرِينَ:} حال من كاف الخطاب منصوب، وعلامة نصبه الياء... إلخ، وفاعله مستتر فيه. {فِي الْأَرْضِ:} متعلقان ب: {ظاهِرِينَ}. {فَمَنْ:}
الفاء: حرف استئناف. وقيل: الفصيحة ولا وجه له. (من): اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {يَنْصُرُنا:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى (من)، و (نا): مفعول به. {مِنْ بَأْسِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، و {بَأْسِ} مضاف، و {اللهِ} مضاف إليه، من إضافة المصدر لفاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ. {إِنْ:} حرف شرط جازم.
{جاءَنا:} فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، و (نا): مفعوله، والفاعل يعود