{وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} وقد قال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: فإن قيل: كيف أسند تزيين أعمالهم إلى ذاته؛ أي: في الآية الأولى. وقد أسنده إلى الشيطان؛ أي:
في الآية الثانية؟! قلت: بين الإسنادين فرق، وذلك: أن إسناده إلى الشيطان حقيقة، وإسناده إلى الله تعالى مجاز، وله طريقان في علم البيان:
أحدهما: أنه من المجاز الذي يسمى استعارة. والثاني أن يكون من المجاز الحكمي.
فالطريق الأول: أنه لما متعهم بطول العمر، وسعة الرزق، وجعلوا إنعام الله بذلك عليهم، وإحسانه إليهم ذريعة إلى اتباع شهواتهم، وبطرهم، وإيثار الراحة، والترفه، ونفارهم مما يلزمهم فيه من التكاليف الصعبة، والمشاق المتعبة؛ فكأنه زين لهم بذلك أعمالهم. وإليه أشارت الملائكة -صلوات الله وسلامه عليهم-في قولهم:{وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتّى نَسُوا الذِّكْرَ}.
والطريق الثاني: أن إمهاله الشيطان، وتخليته؛ حتى يزين لهم ملابسة ظاهرة للتزيين، فأسند إليه؛ لأن المجاز الحكمي يصححه بعض الملابسات. وقيل: هي أعمال الخير التي وجب عليهم أن يعملوها زينها الله لهم، فعموا عنها، وضلوا. ويعزى إلى الحسن. انتهى. كشاف. وهذا مبني على مذهبه في الاعتزال.
وأما عند أهل السنة فالمزين في الحقيقة هو الله تعالى، وإنما جعل الشيطان آلة بإلقاء الوسوسة في قلوبهم، وليس له قدرة أن يضل، أو يهدي أحدا، وإنما له الوسوسة فقط، فمن أراد الله شقاوته؛ سلطه عليه؛ حتى يقبل وسوسته، وهذا مبني عند أهل السنة على أن العبد لا يخلق أفعال نفسه، وإنما يخلقها الله فيه كما قال تعالى في سورة (الصافات) رقم [٩٦]:
{وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ}. وانظر ما ذكرته في شرح هذه الآية. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{أَسْبابَ:} بدل من {الْأَسْبابَ} بدل كل من كل، و {أَسْبابَ} مضاف، و {السَّماواتِ} مضاف إليه. {فَأَطَّلِعَ:} الفاء: للسببية. (أطلع) فعل مضارع منصوب ب: «أن» مضمرة بعد الفاء في جواب الأمر، أو هو منصوب على التوهم، وهو تقدير الفعل {أَبْلُغُ} منصوبا ب: «أن»؛ لأن خبر «لعل» كثيرا جاء مقرونا ب: «أن» والعطف على التوهم كثير، وإن كان لا ينقاس. أو هو منصوب في جواب الترجي، وهو مذهب الكوفيين. والبصريون لا يجيزونه، وإلى قول الكوفيين نحا الزمخشري، قال: تشبيها للترجي بالتمني. و «أن» المضمرة والفعل المضارع في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الفعل السابق، التقدير: لعل بلوغ الأسباب واطلاعا إلى إله موسى حاصلان مني. هذا؛ وأجاز ابن هشام عطفه على الأسباب، وذكر بيت ميسون، وهو الشاهد رقم (٨٦٨) من كتابنا: «فتح القريب المجيب». [الوافر]
للبس عباءة وتقرّ عيني... أحبّ إليّ من لبس الشّفوف
وما ذكرته من العطف على التوهم، لا يجوز أدبا مع القرآن الكريم، فالأحسن أن يقال: هو منصوب على المعنى. انظر ما ذكرته في سورة (المنافقون) عند قوله تعالى: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ}