تدعونني إلى عبادته، وتقديسه، وتعظيمه من عبادة الأصنام، وألوهية فرعون. {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ} أي: ليست له استجابة دعوة لأحد في الدنيا، ولا في الآخرة. وقيل:
ليست له دعوة إلى عبادته في الدنيا، ولا في الآخرة؛ لأن الأصنام لا تدّعي الربوبية، ولا تدعو إلى عبادتها، وفي الآخرة تتبرأ من عابديها، ولكن فرعون ادّعى الربوبية؛ حيث قال في سورة (القصص) رقم [٣٨]: {يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي}. {وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ:}
مرجعنا، ومصيرنا إلى الله بالموت، فيجازي كلاّ بعمله؛ إن خيرا؛ فخير، وإن شرا فشر.
{وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ:} المتجاوزين حدود الله بالكفر، وارتكاب المعاصي، واجتراح السيئات، وانتهاك المحرمات. {هُمْ أَصْحابُ النّارِ:} ملازموها، وملاكها لا يخرجون منها، ولا يغادرونها، ومثلهم: أصحاب الجنة. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
تنبيه: لفظ {لا جَرَمَ} ورد في القرآن الكريم في خمسة مواضع متلوّ ب: (أنّ) واسمها، ولم يجيء بعدها فعل: أحدها: في هذه السورة، وثلاثة في سورة (النحل) برقم [٢٣] و [٦٢] و [١٠٩] والخامس في سورة (هود) رقم [٢٢] وفي إعرابه أربعة أقوال:
أحدها: وهو مذهب الخليل وسيبويه: أنهما مركبتان من (لا) النافية، و (جرم) وبنيتا على تركيبهما تركيب خمسة عشر، وصار معناهما بمعنى: فعل، وهو:(حقّ) فعلى هذا فالمصدر المؤول من «أنّ» واسمها، وخبرها في محل رفع فاعل، فقوله تعالى:{لا جَرَمَ أَنَّما..}. إلخ:
أي: وثبت كون الذي تدعونني إليه. هذا ما نقله السمين عن الخليل، وسيبويه، ونقل مكي عنهما: أن {لا جَرَمَ} بمعنى: حقّ في موضع رفع بالابتداء، والمصدر المؤول من (أنّ) واسمها، وخبرها في محل رفع خبر، فاختلف النقل عن الخليل، وسيبويه. رحم الله الجميع برحمته الواسعة، ورحمنا معهم.
الثاني: أن {لا جَرَمَ} بمنزلة: (لا رجل) في كون {لا} نافية للجنس. و {جَرَمَ} اسمها مبني معها على الفتح، وهي واسمها في محل رفع بالابتداء، وما بعدهما خبر:{لا} النافية، وصار معناها: لا محالة أنما تدعونني... إلخ؛ أي: كون دعوتكم إياي، وهذا الوجه عزاه مكي إلى الخليل أيضا.
الوجه الثالث: أن {لا} نافية لكلام متقدم، تكلم به فرعون، وأشياعه، فرد الرجل المؤمن عليهم بقوله:{لا} كما ترد {لا} هذه قبل القسم في قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ} ثم أتى بعدها بجملة فعلية، وهي جرم أن ما تدعونني... إلخ، و {جَرَمَ} فعل ماض معناه كسب، وفاعله مستتر يعود على فعلهم المدلول عليه بسياق الكلام، و (أنّ) وما في حيزها في موضع المفعول به؛ لأن {جَرَمَ} يتعدى إذا كان بمعنى: كسب، وعلى هذا فالوقف على قوله {لا} ثم يبتدأ ب: {جَرَمَ} بخلاف ما تقدم. انتهى. جمل. وهذا القول عزاه مكي للزجاج.