للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيضاوي. وقال القرطبي: قيل: واستغفر لذنب أمتك، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وقيل: لذنب نفسك. على رأي: من يجوز الصغائر على الأنبياء، ومن قال: لا تجوز؛ قال: هذا تعبد للنبي صلّى الله عليه وسلّم بالدعاء، كما قال تعالى: {وَآتِنا ما وَعَدْتَنا} والفائدة: زيادة الدرجات، وأن يصير الدعاء سنة لمن بعده. وقيل: فاستغفر الله من ذنب صدر منك قبل النبوة. انتهى.

وهذا الأخير لا وجه له؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم معصوم قبل النبوة، وبعدها.

وجملة القول: قد تمسك بهذه الآية، وأمثالها من يرى جواز صدور الذنب من الأنبياء، وقالوا: لو لم يقع من الرسول صلّى الله عليه وسلّم ذنب؛ لما أمر بالاستغفار، والجواب: أن درجة الرسول صلّى الله عليه وسلّم أعلى الدرجات، ومنصبه أشرف المناصب، فلعلو درجته، وشرف منصبه، وكمال معرفته بالله عز وجل، فما وقع منه على وجه التأويل، أو الاجتهاد، كما في أسرى بدر، وإذنه في التخلف للمنافقين عن غزوة تبوك، وغير ذلك من أمور الدنيا، فإنه ذنب بالنسبة إلى منصبه العظيم، وجاهه الكريم، كما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين، وذلك بالنسبة إلى منازلهم العالية، ودرجاتهم الرفيعة، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٤٣] من سورة (التوبة)، تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ..}. إلخ: أي: داوم على التسبيح، والتحميد لربك في جميع الأوقات.

والمراد منه: الأمر بالمواظبة على ذكر الله، وألا يفتر اللسان عنه؛ حتى يصبح في زمرة الملائكة الأبرار؛ الذين {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ} (الأنبياء) والمراد بالتسبيح: تنزيه الله عن كل ما لا يليق به. هذا؛ والخطاب لسيد الخلق، وحبيب الحق صلّى الله عليه وسلّم، ويدخل فيه غيره من أمته؛ لأنه عام لسائر المكلفين. وإنما خص هذين الوقتين بالذكر؛ لأن الإنسان يقوم بالغداة من النوم، الذي هو أخو الموت، فاستحب له أن يستقبل حالة الانتباه من النوم-وهو وقت الحياة من موت النوم-بالذكر ليكون أول أعماله ذكر الله عز وجل، وأما وقت العشي، وهو آخر النهار، فإن الإنسان يريد أن يستقبل النوم الذي هو أخو الموت، فيستحب له أن يستقبله بالذكر؛ لأنه حالة تشبه الموت، ولعله لا يقوم من تلك النومة، فيكون موته على ذكر الله عز وجل. هذا؛ وقيل: إن المراد بالتسبيح في هذين الوقتين الصلوات الخمس، أقول: وهن من أعظم التسبيح.

هذا؛ والإبكار من طلوع الشمس إلى الضحوة الكبرى، ومثله: بكرة (بضم الباء، وسكون الكاف). هذا؛ ويقابل العشي بالغدو كما في الآية رقم [٤٦] كما يقابل بالغداة: كما في قوله تعالى في سورة (الكهف) رقم [٢٨]: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ} كما يقابل الغدو بالآصال، وهو جمع: أصيل، قال تعالى في سورة (النور) رقم [٣٦]: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ} ومثله في سورة (الأعراف) رقم [٢٠٥] وسورة (الرعد) رقم [١٥] والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>