للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ والفعل {يَسْتَوِي} من الأفعال التي لا تكتفي بواحد، فلو قلت: استوى زيد؛ لم يصح فمن ثمّ لزم العطف على الفاعل، أو تعدده. ولا تنس المطابقة، والمقابلة بين الضدين في هذه الآية، وهي من المحسنات البديعية. وقال الجمل نقلا عن السمين: واعلم: أن التقابل يجيء على ثلاث طرق: إحداها: أن يجاور المناسب ما يناسبه، كهذه الآية. والثانية: أن يتأخر المتقابلان، كقوله تعالى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ}. رقم [٢٤] من سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام. والثالثة: أن يقدم مقابل الأول، ويؤخر مقابل الآخر، كقوله تعالى: {وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ..}. إلخ رقم [١٩] وما بعدها من سورة (فاطر)، وكل ذلك تفنن في البلاغة، وقدم الأعمى في نفي التساوي لمجيئه بعد صفة الذم في قوله: {وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ}. انتهى.

الإعراب: {وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): نافية. {يَسْتَوِي:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل. {الْأَعْمى:} فاعله مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {وَالْبَصِيرُ:} معطوف على ما قبله. {وَالَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع معطوف على ما قبله.

وجملة: {آمَنُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول لا محل لها، والتي بعدها معطوفة عليها. {الصّالِحاتِ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. {وَلا:} الواو: حرف عطف. (لا): صلة لتأكيد النفي. {الْمُسِيءُ:} معطوف على ما قبله.

{قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ:} لقد ذكر ابن هشام-رحمه الله تعالى-في مغني اللبيب في هذه الجملة وأمثالها إعرابا، فأنا أنقله لك باختصار، فقال: {ما} محتملة لثلاثة أوجه:

أحدها: الزيادة، فتكون لمجرد تقوية الكلام، فتكون حرفا باتفاق، و {قَلِيلاً} بمعنى:

النفي، وإما لإفادة التقليل، مثلها في: (أكلت أكلا مّا) وعلى هذا يكون تقليلا بعد تقليل.

الثاني: النفي، و {قَلِيلاً} نعت لمصدر محذوف، أو لظرف محذوف؛ أي: تذكرا قليلا، أو زمانا قليلا.

الثالث: أن تكون مصدرية، وهي وصلتها فاعل ب‍: (قليل)، و {قَلِيلاً} حال معمول لمحذوف، وعليه المعنى: أي: ذكروا فأخروا قليلا تذكرهم. أجازه ابن الحاجب، ورجح معناه على غيره. انتهى. بتصرف كبير.

ولم يذكر إعراب {قَلِيلاً} على الوجه الأول، وذكر سليمان الجمل الوجه الأول، واعتبر {قَلِيلاً} نعتا لمصدر محذوف مثل اعتباره في الوجه الثاني، وذكر أبو البقاء الوجه الثاني، وقال: التقدير: فما يتذكّرون قليلا، ولا كثيرا. وجملة: {قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ} مستأنفة، أو

<<  <  ج: ص:  >  >>