للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَفِي آذانِنا وَقْرٌ} أي: صمم، وأصله: الثقل، وقرئ بكسر الواو. هذا؛ وفي سورة (الأنعام) رقم [٢٥] وأيضا في سورة (الإسراء) رقم [٤٦] قوله تعالى: {وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً}. وفي سورة (الكهف) رقم [٥٧]: {إِنّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً}.

{وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ:} مانع يمنع من قبول ما تدعونا إليه، وهذا المانع هو الخلاف في الدين. وقيل: إن أبا جهل-لعنه الله-غطى رأسه بثوب، وقال: يا محمد! بيننا وبينك حجاب.

استهزاء منه بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، و (من) للدلالة على أن الحجاب مبتدأ منهم، ومنه بحيث استوعب المسافة المتوسطة بين الفريقين، ولم يبق فراغ. والمقصود المبالغة بالتباين المفرط، فلذلك جيء ب‍: (من) وهذا كله تمثيل لنبو قلوبهم عن تقبل الحق، واعتقاده، كأنها في غلف، وأغطية، تمنع من نفوذه فيها، ومج أسماعهم له، كأن بها صمما عنه، ولتباعد المذهبين، والدينين، كأن بينهم وما هم عليه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وما هو عليه حجابا ساترا، وحاجزا منيعا من جبل، ونحوه، فلا تلاقي، ولا ترائي. هذا؛ وفي كل ذلك استعارة تصريحية، ليس هناك على الحقيقة شيء مما قالوه، وإنما أخرجوا هذا الكلام مخرج الدلالة على استثقالهم ما يسمعونه من قوارع القرآن، وجوامع البيان، فكأنهم من شدة الكراهية له قد صمّت أسماعهم عن فهمه، وقلوبهم عن علمه.

{فَاعْمَلْ} أي: على طريقتك، واستمر على دينك. {إِنَّنا عامِلُونَ:} ثابتون على طريقتنا مستمرون على ديننا. وقيل: المعنى: اعمل في هلاكنا، فإنا عاملون في هلاكك. وقيل:

المعنى: فاعمل في إبطال أمرنا، فإننا عاملون في إبطال أمرك. وهو تهديد منهم للنبي صلّى الله عليه وسلّم.

وانظر تهديد الله، ووعيده لهم في الآية رقم [٣٩] من سورة (الزمر) وما يشار إليه فيها.

الإعراب: {وَقالُوا:} الواو: حرف عطف. (قالوا): ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق. {قُلُوبُنا:} مبتدأ، و (نا): في محل جر بالإضافة. {فِي أَكِنَّةٍ:} متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول. {مِمّا:} جار ومجرور متعلقان ب‍: {أَكِنَّةٍ} حملا على المعنى؛ لأن معنى {فِي أَكِنَّةٍ} محجوبة عن سماع ما تدعونا إليه، ولا يجوز أن يكون نعتا ل‍: {أَكِنَّةٍ} فإن الأكنة الأغشية، وليست الأغشية مما تدعونا إليه. انتهى. أبو البقاء. وفي زاده: في الكلام حذف. تقديره: قلوبنا في أكنة تمنعنا من فهم ما تدعونا إليه. فحذف المضاف. انتهى. جمل. {تَدْعُونا:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الواو للثقل، والفاعل مستتر تقديره: «أنت»، و (نا): مفعوله. {إِلَيْهِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية صلة (ما) أو صفتها، والعائد، أو الرابط الضمير المجرور ب‍: (إلى)، وجملة: {وَقالُوا..}. إلخ معطوفة على جملة: (أعرض...) إلخ.

{وَفِي:} الواو: حرف عطف. (في آذاننا): متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {وَقْرٌ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها. (من بيننا): متعلقان بمحذوف خبر مقدم، و (نا):

في محل جر بالإضافة. {وَبَيْنِكَ:} معطوف على ما قبله، والكاف في محل جر بالإضافة.

<<  <  ج: ص:  >  >>