{وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ} أي: بالكواكب تضيء في الليل، كأنها مصابيح كهربائية تتلألأ. {وَحِفْظاً} أي: وحفظناها حفظا من الشياطين الذين يسترقون السمع. انظر ما ذكرته في الآية رقم [٦] و [٧] من سورة (الصافات). {ذلِكَ} أي: الذي ذكر من صنعه، وخلقه. {تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ:} القوي القاهر الغالب على أمره. {الْعَلِيمِ:} البليغ في العلم، والعليم بمواقع الأمور.
هذا؛ وفي الآية التفات من الغيبة إلى التكلم. انظر الالتفات في سورة (الصافات) رقم [١٣٧].
تنبيه: قال الشيخ أبو المنصور-رحمه الله تعالى-: القضاء يحتمل الحكم، كقوله تعالى:
{لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً} أي: ليحكم ما قد علم أنه يكون كائنا، أو ليتم أمرا كان قد أراده، وما أراد كونه، فهو مفعول لا محالة. انتهى. والماضي: قضى، والمصدر: قضاء بالمد؛ لأن لام الفعل ياء؛ إذ أصل ماضيه (قضي) بفتح الياء، فقلبت ألفا لتحركها، وانفتاح ما قبلها، ومصدره: (قضيا) بالتحريك، كطلب طلبا، فتحركت الياء فيه أيضا، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، فاجتمع ألفان، فأبدلت الثانية همزة، فصار: قضاء ممدودا، وجمع القضاء: أقضية، كعطاء، وأعطية، وهو في الأصل: إحكام الشيء، وإمضاؤه، والفراغ منه، كما في قول الشاعر -وهو الشاهد (١٧٩) من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [الرمل]
وجهك البدر لا بل الشمس لو لم... يقض للشّمس كسفة أو أقول
ويكون بمعنى: الأمر، كما في قوله تعالى: {وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً،} وبمعنى: العلم، تقول: قضيت بكذا؛ أي: أعلمتك به. وبمعنى: الإتمام، قال تعالى: {فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ،} وبمعنى: الفعل، قال تعالى حكاية عن قول السحرة لفرعون:
{فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ،} وبمعنى: الإرادة، وهو كثير، كقوله تعالى: {فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}. وبمعنى: الموت كقوله تعالى حكاية عن قول أهل النار: {وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (٧٧)}. وبمعنى: الكتابة، قال تعالى: {وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا} أي: مكتوبا في اللوح المحفوظ، وبمعنى: الفصل، قال تعالى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} وبمعنى:
الخلق، كما في الآية التي نحن بصدد شرحها. وبمعنى: بلوغ المراد، والأرب، قال تعالى:
{فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها}. وبمعنى: وفاء الدين، تقول: قضى فلان ما عليه: إذا أوفى ذمته، وأبرأها مما عليه من ديون. انتهى. قسطلاني شرح البخاري بتصرف، وأضيف: أنه يكون بمعنى: أوحينا، كما في قوله تعالى: {وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ..}. إلخ.
قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: فإذا كان القضاء يحتمل هذه المعاني، فلا يجوز إطلاق القول بأن المعاصي بقضاء الله؛ لأنه إن أريد به الأمر، فلا خلاف: أنه لا يجوز ذلك؛ لأن الله تعالى لم يأمر بها، فإنه لا يأمر بالفحشاء، وقال زكريا بن سلام: جاء رجل إلى الحسن البصري، فقال: إنه طلق امرأته ثلاثا، فقال: إنك قد عصيت ربك، وبانت منك. فقال الرجل: