فنعطيه، ويكف عنا-وذلك حين أسلم حمزة-رضي الله عنه-ورأوا أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم يزيدون، ويكثرون-قالوا: بلى يا أبا الوليد! فقم إليه، وكلمه. فقام عتبة؛ حتى جلس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا بن أخي! إنك منا حيث قد علمت من البسطة في العشيرة، والنسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت جماعتهم، وسفهت أحلامهم، وعبت آلهتهم، وكفرت من مضى من آبائهم، فاستمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها.
فقال صلّى الله عليه وسلّم:«قل يا أبا الوليد!». فقال: يا بن أخي! إن كنت تريد بما جئت به مالا؛ جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد شرفا؛ سودناك علينا، وإن كان الذي بك رئيا تراه، لا تستطيع رده؛ طلبنا لك الطب، أو لعل هذا شعر جاش به صدرك، فنعذرك، فإنكم يا بني عبد المطلب تقدرون من ذلك على ما لا يقدر عليه أحد، حتى إذا فرغ؛ قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«أقد فرغت يا أبا الوليد؟!». قال نعم، قال:«فاستمع مني». قال: فافعل، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم: {حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} ثم مضى فيها يقرأ، فلما سمعها عتبة؛ أنصت، وألقى يده خلف ظهره، معتمدا عليها، يستمع منه؛ حتى انتهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى السجدة، فسجد، ثم قال: أسمعت يا أبا الوليد؟! فأنت وذاك.
وفي رواية البغوي بإسناد الثعلبي عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ..}. إلخ فأمسك عتبة على في النبي صلّى الله عليه وسلّم، وناشده الرحم أن يكف... إلخ ما جاء فيها، ولم يرجع إليهم، وذهب إلى أهله... إلخ. وفي هذه الرواية:
رجع عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به! فلما جلس إليهم، قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟! قال: ورائي: أني سمعت قولا، والله ما سمعت بمثله قط، ما هو بشعر، ولا بسحر، ولا بكهانة! يا معشر قريش أطيعوني، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، واعتزلوه. فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب؛ فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب؛ فملكه ملككم، وعزه عزكم، وأنتم أسعد الناس به! قالوا: سحرك والله محمد يا أبا الوليد بلسانه! قال: هذا رأيي، فاصنعوا ما بدا لكم. انتهى. خازن. وهذه القصة تروى بروايات أخرى مع اختلاف في بعض العبارات، والمغزى واحد، والنتيجة واحدة لا تتغير، وانظر ما يشبه هذا مما ذكرته بشأن الوليد بن المغيرة في سورة (المدثر) إن شاء الله تعالى.
الإعراب:{فَإِنْ:} الفاء: حرف استئناف. (إن): حرف شرط جازم. {أَعْرَضُوا:} ماض مبني على الضم في محل جزم فعل الشرط، والواو فاعله، والألف للتفريق، والمتعلق محذوف كما رأيت تقديره في الشرح، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {فَقُلْ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (قل): فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت». {أَنْذَرْتُكُمْ:} فعل، وفاعل، ومفعول به أول. {صاعِقَةً:} مفعول به ثان،