ذهنه: أن عليه من الله عينا كالئة، ورقيبا مهيمنا؛ حتى يكون في أوقات خلواته من ربه أهيب، وأحسن احتشاما، وأوفر تحفظا، وتصونا منه مع الملأ، ولا يتبسط في سره مراقبة من التشبه بهؤلاء الظانين. انتهى. كشاف. {فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ} أي: فخسرتم سعادتكم، وأنفسكم؛ حيث دخلتم النار. وانظر {الْخُسْرانُ} في سورة (الزمر) رقم [١٥]. هذا؛ والفعل (أصبحتم) بمعنى: صرتم، وليس المراد التوقيت بالصبح. وانظر الآية رقم [٤٨] من سورة (الزمر).
هذا؛ وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«لا يموتنّ أحدكم إلا وهو يحسن الظنّ بالله، فإن قوما أساؤوا الظنّ بربهم، فأهلكهم». فذلك قوله تعالى:{وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ..}. إلخ هذا؛ وفي الحديث القدسي الطويل الذي يرويه أبو هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، عن رب العزة، وخرجه الستة ما عدا أبا داود:«أنا عند ظنّ عبدي بي...» إلخ.
هذا؛ والظن نوعان: ظن ينجي، وظن يردي، فالأول: هو أن يظن العبد بربه خيرا، ويحسن ظنّه به، ويقرن ذلك بالعمل الصالح، والخوف منه تعالى، ومراقبته، والوقوف على حدوده، فيحل ما أحل الله، ويحرم ما حرم. والثاني: هو أن يظن العبد بربه خيرا، ولكنه لا يؤدي لله حقا، ولا يعرف للرسول صلّى الله عليه وسلّم واجبا، فهذا هو الظن الكاذب، الذي يقول الله فيه:{وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ..}. إلخ. وقال الحسن البصري رحمه الله: إن قوما ألهتهم الأمانيّ حتى خرجوا من الدّنيا؛ وما لهم حسنة، ويقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي. وكذب! ولو أحسن الظن؛ لأحسن العمل، وتلا الآية الكريمة التي نحن بصدد شرحها. وقال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-في هذه الآية: هؤلاء قوم كانوا يدمنون المعاصيّ، ولا يتوبون منها، ويتكلون على المغفرة؛ حيث خرجوا من الدنيا مفاليس، ثم قرأ الآية. انتهى. قرطبي. وخذ ما يلي بمناسبة هذه الآية منه أيضا:
فعن معقل بن يسار-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«ليس من يوم يأتي على ابن آدم، إلا ينادي فيه: يا بن آدم! أنا خلق جديد، وأنا فيما تعمل غدا عليك شهيد، فاعمل فيّ خيرا؛ أشهد لك به غدا، فإني لو قد مضيت؛ لم ترني أبدا. ويقول الليل مثل ذلك». ذكره أبو نعيم الحافظ، وقال محمد بن بشير، فأحسن:[الطويل]
مضى أمسك الأدنى شهيدا معدّلا... ويومك هذا بالفعال شهيد
فإن تك بالأمس اقترفت إساءة... فثنّ بإحسان وأنت حميد
ولا ترج فعل الخير منك إلى غد... لعلّ غدا يأتي وأنت فقيد
الإعراب:{وَذلِكُمْ:} الواو: حرف عطف. (ذلكم): اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب، لا محل له. {ظَنُّكُمُ:} خبر، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لفاعله. {الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع