للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ والاستقامة توبة بلا إصرار، وعمل بلا فتور، وإخلاص بلا التفات، ويقين بلا تردد، وتفويض بلا تدبير، وتوكل بلا توهم. والاستقامة درجة بها كمال الأمور، وتمامها، وبوجودها حصول الخيرات، ونظامها، ومن لم يستقم؛ ضاع سعيه، وخاب أمله، والاستقامة أثر من آثار الدين، وثمرة من ثمار الإيمان الصادق، ونتيجة التقوى، ونظام الأمر، وعنوان التوفيق، وأساس الهداية، وأصل النجاح، وسر الفلاح، ومن لم يستقم في جميع أحواله، ويؤد ما عليه من الواجب نحو ربه، ونبيه، ونحو دينه، ونفسه، وأهله، ووطنه، وجيرانه، وأصدقائه، والناس أجمعين؛ فقد ضل سعيه، وخاب أمله، واضطرب نظام سيره، واختل ميزان تصرفه، وتقلب في أسباب الشقاء. وانظر ما ذكرته في سورة (هود) رقم [١١٢].

{تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخافُوا..}. إلخ: قال ابن زيد، ومجاهد: هذا يكون عند الموت، وهو قول ابن عباس-رضي الله عنهما-. وقال مقاتل، وقتادة: إذا قاموا من قبورهم للبعث. وقيل: تكون في القبر، وقال وكيع، وابن زيد: البشرى في ثلاثة مواطن: عند الموت، وفي القبر، وعند البعث. وخذ قوله تعالى في سورة (يونس) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ} رقم [٦٤].

{أَلاّ تَخافُوا} أي: من الموت، وما بعده من أهوال. {وَلا تَحْزَنُوا} أي: على ما خلفتم من أهل، وولد، فنحن نخلفكم فيهم. وقيل: المعنى: لا تخافوا من ذنوبكم، ولا تحزنوا لأجلها، فالله يغفرها لكم. {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} بها على ألسنة الرسل. وفي النسفي:

وقال محمد بن علي الصابوني: تتنزل عليهم ملائكة الرحمة عند مفارقة الأرواح الأبدان: أن لا تخافوا سلب الإيمان، ولا تحزنوا على ما كان من العصيان، وأبشروا بدخول الجنان؛ التي كنتم توعدون في سالف الزمان. انتهى.

هذا؛ والخوف: غم يلحق لتوقع مكروه، والحزن: غم يلحق لوقوعه من فوات نافع، أو حصول ضار، وأما التخوف؛ فإنه يأتي بمعنى: التنقص، كما في قوله تعالى في سورة (النحل) رقم [٤٧]:

{أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ}. يروى: أن الفاروق-رضي الله عنه-قال على المنبر: ما تقولون في قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ} فسكتوا، فقام شيخ من هذيل، وقال: هذه لغتنا، التخوف: التنقص.

قال: فهل تعرف العرب هذا في أشعارهم؟ قال: نعم، قال شاعرنا أبو كبير الهذلي: [البسيط]

تخوّف الرحل منها تامكا قردا... كما تخوّف عود النّبعة السفن

فقال عمر-رضي الله عنه-: أيها الناس! عليكم بديوانكم لا تضلوا! قالوا: وما ديواننا؟ قال: شعر الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم. هذا؛ ويأتي الخوف بمعنى: العلم، وبه قيل في قوله تعالى: {فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً..}. إلخ سورة (البقرة) [١٨٢] وقوله تعالى رقم [٢٢٩] منها: {إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ} ومعنى البيت: أضعف الرحل الناقة،

<<  <  ج: ص:  >  >>