قبل الخروج من الأرض، وقد يكونان بعد خروج النبات إلى وجه الأرض، فربوها: ارتفاعها، ويقال للموضع المرتفع: ربوة، ورابية، فالنبات يتحرك للبروز، ثم يزداد في جسمه بالكبر، طولا، وعرضا. هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (الحج) رقم [٥]: {وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}.
هذا؛ وفي قوله تعالى:{أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً} استعارة مكنية، فقد استعير الخشوع، وهو التذلّل، والتقاصر لحال الأرض عند قحطها، وجفافها، كما استعير الهمود في آية (الحج) وكذلك يقال في الاهتزاز، والربو.
{إِنَّ الَّذِي أَحْياها} أي: أحيا الأرض بعد موتها بنزول المطر عليها. {لَمُحْيِ الْمَوْتى} أي:
لقادر على إحياء الأموات، وإخراجهم من قبورهم للبعث، والحساب والجزاء. {إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي: لا يعجزه-جل وعلا-شيء، فكما أخرج النبات من زروع، وثمار من الأرض المجدبة؛ فإنه قادر على إحياء الموتى.
قال الصابوني نقلا من «مناهل العرفان» للزرقاني: ومن خصائص أسلوب القرآن العظيم: أنه يخاطب العقل، والقلب معا، ويجمع الحق، والجمال معا. انظر إليه، وهو في معمعان إقامة الدليل العقلي على البعث، والنشور في مواجهة المنكرين المكذبين كيف يسوق استدلاله سوقا يهز القلوب هزا، ويمتع العاطفة إمتاعا بما جاء في طيّ هذه الأدلة المسكتة المقنعة؟! إذ قال سبحانه في سورة (فصلت): {وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ..}. إلخ، تأمل هذا الأسلوب البارع؛ الذي أقنع العقل، وأمتع العاطفة في آن واحد، حتى في الجملة التي هي بمثابة النتيجة من مقدمات الدليل؛ إذ قال:{الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى} يا للجمال الساحر! ويا للإعجاز الباهر؛ الذي يستقبل عقل الإنسان وقلبه معا بأنصع الأدلة، وأجمل البيان في هذه الكلمات المعدودات. انتهى.
الإعراب:(من آياته): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {أَنَّكَ:} حرف مشبه بالفعل، والكاف اسمها. {تَرَى:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والفاعل مستتر تقديره:«أنت». {الْأَرْضَ:} مفعول به. {خاشِعَةً:} حال من: {الْأَرْضَ؛} لأن الفعل بصري، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (أنّ)، و (أنّ) واسمها، وخبرها في تأويل مصدر في محل رفع مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.
{فَإِذا:} الفاء: حرف عطف، وتفريع. (إذا): انظر رقم [٢٠]. {أَنْزَلْنا:} فعل، وفاعل.
{عَلَيْهَا:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {الْماءَ:} مفعول به، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (إذا) إليها. {اِهْتَزَّتْ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى:{الْأَرْضَ،} والتاء للتأنيث، والجملة الفعلية جواب (إذا) لا محل لها، و (إذا) ومدخولها كلام معطوف على ما قبله، لا محل له مثله. {وَرَبَتْ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع تاء