عينيه؛ اللتين هما قطرة ماء ينظر بهما من السماء إلى الأرض مسيرة خمسمئة عام. وفي أذنيه اللتين يفرق بهما بين الأصوات المختلفة. وغير ذلك من بديع حكمة الله فيه. وقيل:{وَفِي أَنْفُسِهِمْ} من كونهم نطفا إلى غير ذلك من انتقال أحوالهم، كما تقدّم بيانه في سورة (المؤمنون).
انتهى. قرطبي. لذا فقد قال تعالى في سورة (الذاريات): {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}.
{حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ:} الضمير للقرآن، أو للرسول صلّى الله عليه وسلّم، أو للتوحيد، أو لله. هذا؛ ويقال: تبين الشيء، وبان، وأبان، واستبان كله بمعنى واحد، وهو لازم، وقد يستعمل بعضها متعديا.
أولم يكفك: أنّه تعالى على كل شيء شهيد محقق له، فيحقق أمرك بإظهار الآيات الموعودة، كما حقق سائر الأشياء. أو المعنى: مطلع، فيعلم حالك، وحالهم، ويستوي عنده تعالى الغيب، والشهادة، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات، ولا في الأرض. هذا؛ والفعل:
«كفى» في قوله تعالى: {وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً} ونحوه بمعنى: اكتف، فالباء زائدة في الفاعل عند الجمهور، وهو لازم، لا ينصب المفعول به، ومضارعه مثله، كما في هذه الآية التي نحن بصدد شرحها، وأمّا إذا كان بمعنى: جزى، وأغنى، فيكون متعديا لواحد، وإذا كان بمعنى: وقى، فإنّه يكون متعديا لمفعولين. كما في قوله تعالى:{وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ} رقم [٢٥] من سورة (الأحزاب).
هذا؛ واعتبر بعض العلماء في الآية الكريمة إشارة دقيقة إلى بعض العلوم الكونية؛ التي سبق إليها القرآن قبل أن يكتشفها العلم الحديث، ثم عدم تعارضه مع ما يكتشفه العلم من نظريات علمية حديثة. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الناحية من نواحي الإعجاز بقوله جلّ شأنه:
{سَنُرِيهِمْ آياتِنا..}. إلخ. قال محمد علي الصابوني: ومع اعتقادنا بأن القرآن العظيم ليس كتاب طبيعة، أو هندسة، أو فيزياء، وإنما هو كتاب هداية، وإرشاد، وكتاب تشريع، وإصلاح، ولكن مع ذلك لم تخل آياته من الإشارات الدقيقة، والحقائق الخفية إلى بعض المسائل الطبيعية والطبية، والجغرافية مما يدل على إعجاز القرآن، وكونه وحيا من عند الله، فمن المقطوع به: أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم كان أميا، لا يقرأ، ولا يكتب، وأنه نشأ في بيئة بعيدة عن مظاهر الحياة؛ حيث لم تكن علوم، ولا معارف، ولا مدارس تقرأ فيها العلوم الكونية؛ لأنّ قومه، وعشيرته كانوا أميين، ومع ذلك فإن النظريات العلمية التي أشار إليها القرآن لم تكن معلومة في عصره، ولم يكتشف العلم أسرارها، إلا منذ زمن قريب، وذلك من أصدق البراهين على أنّ هذا القرآن ليس من تأليف محمد صلّى الله عليه وسلّم كما يزعم بعض المستشرقين، إنما هو وحي من الله أنزله على قلب سيد المرسلين بلسان عربي مبين. انتهى.