{وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} أي: في تأخير عذاب الاستئصال عن هؤلاء، وهي كلمة الإنظار، والإمهال بتأخير تعذيب المجرمين إلى يوم القيامة، فإنّه يوم الفصل والجزاء. {إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى:} هو يوم القيامة، أو آخر أعمارهم المقدرة لهم في الدنيا. {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أي: بإنزال ما يستحقه المجرم والمكذب من العذاب ليتميز به عن المحق. {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} أي: وإن قومك يا محمد لفي شك من القرآن موقع في الريبة، لتبلد عقولهم، وعمى أبصارهم.
هذا؛ وقيل: إن الكلمة التي سبقت هي قوله تعالى في الحديث القدسي: «سبقت رحمتي غضبي». {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ} أي: التوراة، والإنجيل، وهم اليهود، والنصارى؛ أي:
الذين كانوا في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم. {مِنْ بَعْدِهِمْ:} من بعد المختلفين الأولين في الحق، أو المراد:
كفار قريش الذين أورثوا القرآن من بعد اليهود، والنصارى. {لَفِي شَكٍّ مِنْهُ} أي: من محمد صلّى الله عليه وسلّم، أو من القرآن، وعلى كلا الوجهين فالشك هنا ليس على معناه المشهور من اعتدال النقيضين، وتساويهما في الذهن، بل المراد به ما هو أعم؛ أي: مطلق التردد. انتهى. جمل نقلا من كرخي.
أمّا الريب فهو: الشك، تقول: رابني هذا الأمر، أي: أوقعني في شك، وحقيقة الريبة قلق النفس، واضطرابها، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك».
تنبيه: في (كلمة) ثلاث لغات: الأولى: كلمة على وزن: نبقة، وهي الفصحى، ولغة أهل الحجاز، وبه نطق القرآن الكريم في آيات كثيرة، وجمعها: كلم، كنبق. والثانية: كلمة على وزن: سدرة، وجمعها: كلم كسدر. والثالثة: كلمة على وزن: تمرة، وجمعها: كلم، كتمر.
وهما لغتا تميم. وكذلك كل ما كان على وزن فعل، نحو كبد، وكتف، فإنّه يجوز فيه اللغات الثلاث، فإن كان الوسط حرف حلق جاز فيه لغة رابعة، وهي إتباع الأول للثاني في الكسر، نحو فخذ وشهد، وهي في الأصل: قول مفرد، مثل: محمد، ومحمود، وقام، وقعد، وفي ولن.
وقد تطلق على الجمل المفيدة، كما في قوله تعالى في سورة (الكهف) رقم [٥]: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ} وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد»: [الطويل]
ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل... وكلّ نعيم لا محالة زائل
المراد ب: «كلمة» الشطر الأول بكامله. وتقول: قال فلان كلمة، والمراد: بها: كلام كثير، وهو شائع، ومستعمل عربية في القديم، والحديث، وانظر شرح (قضي) في سورة (فصلت) [١٢].
الإعراب: {وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): نافية. {تَفَرَّقُوا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محلّ لها. {إِلاّ:} حرف حصر. {مِنْ بَعْدِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وهما في المعنى في محل نصب على الاستثناء في أعم الأحوال. {ما:} مصدرية. {جاءَهُمُ:} فعل ماض، والهاء مفعول به. {الْعِلْمُ:} فاعله.