{فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ} أي: لو افتريت على الله الكذب كما يزعم هؤلاء المجرمون؛ لختم الله على قلبك، فأنساك هذا القرآن، وسلبه من صدرك، ولكنك لم تفتر على الله كذبا، ولهذا أيدك، وسدّد خطاك. قال ابن كثير: وهذا كقوله جل وعلا في سورة (الحاقة): {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ}. وقال أبو السعود: والآية استشهاد على بطلان ما قالوا ببيان: أنّه عليه السّلام لو افترى على الله تعالى؛ لمنعه من ذلك قطعا بالختم على قلبه؛ بحيث لا يخطر بباله معنى من معانيه، ولم ينطق بحرف من حروفه. انتهى. صفوة التفاسير. هذا؛ وقال مجاهد، ومقاتل: إن يشأ الله يربط على قلبك بالصبر على أذاهم؛ حتى لا يدخل قلبك مشقة من قولهم.
{وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ} أي: لو كان ما أتى به محمد صلّى الله عليه وسلّم باطلا؛ لمحاه الله، كما جرت سنته في المغترين. فهو كلام مستأنف غير داخل في جزاء الشرط؛ لأنّه تعالى يمحو الباطل مطلقا، وسقطت الواو منه لفظا لالتقاء الساكنين، وخطا حملا له على اللفظ، كما كتبوا:{سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ} انتهى.
وقال الخازن: أي: يحق الإسلام بما أنزل من كتابه، وقد فعل الله تعالى ذلك، فمحا باطلهم، وأعلى كلمة الإسلام. ولا تنس المقابلة بين:{وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ} و {وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ}.
{إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} أي: عالم بما في القلوب، يعلم ما تكنه الضمائر، وتنطوي عليه السرائر. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: لما نزلت: {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى}. وقع في قلوب قوم منها شيء. وقالوا: يريد أن يحثنا على أقاربه من بعده، فنزل جبريل عليه الصلاة والسّلام، فأخبره: أنهم اتهموه، وأنزل الله هذه الآية، فقال القوم: يا رسول الله! فإنا نشهد أنك صادق! فنزلت الآية التالية، وانظر شرح (ذات) في سورة (الزمر) رقم [٧].
{اِفْتَرى:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف، والفاعل يعود إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم. {عَلَى اللهِ:} متعلقان بما قبلهما. {كَذِباً:} مفعول به، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول، وجملة:{يَقُولُونَ..}. إلخ معطوفة على كلام سابق، أو هي مستأنفة، لا محلّ لها على الاعتبارين. {فَإِنْ:} الفاء: حرف تفريع، واستئناف. (إن): حرف شرط جازم. {يَشَإِ:}
مضارع فعل الشرط. {اللهِ:} فاعله، ومفعوله محذوف، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنّها ابتدائية، ويقال: لأنّها جملة شرط غير ظرفي. {يَخْتِمْ:} جواب الشرط، والفاعل يعود إلى:
{اللهِ،} تقديره: «هو». {عَلى قَلْبِكَ:} متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنّها جملة جواب الشرط، ولم تقترن بالفاء، ولا ب:«إذا» الفجائية، و (إن) ومدخولها كلام مستأنف