اختلاف أشكالهم، وألوانهم، وأجناسهم وأنواعهم، وأطلق على الملائكة لفظ الدابة؛ لأنّ الدبيب في اللغة المشي الخفيف على الأرض، فيحتمل أن يكون للملائكة مشي مع الطيران، فيوصفون بالدبيب، كما يوصف الإنسان.
هذا؛ وقال بعض العلماء: لا يستبعد أن يكون في الكواكب السيارة، والعوالم العلوية مخلوقات غير الملائكة تشبه مخلوقات الأرض، وأن يكون فيها حيوانات تشبه الحيوانات؛ التي على أرضنا، كما تدل الدلائل الفلكية على وجود حياة في المريخ، واستدلوا بهذه الآية. أقول:
يحتمل أن يوجد في هذا الفضاء الواسع مخلوقات حية غير الإنسان، أمّا الإنسان فإننا نقطع بأنه لا يوجد إلاّ فوق سطح هذا الكوكب الأرضي، لقوله تعالى في سورة (الأعراف): {قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ} الأعراف [٢٤]. انتهى. صفوة التفاسير للصابوني بتصرف.
هذا؛ ولم يقل: وما بثّ فيهن؛ لأنّه أراد ما بين الصنفين، أو النوعين، أو الشيئين، كقول القطامي: [الوافر]
ألم يحزنك أنّ حبال قيس... وتغلب قد تباينت انقطاعا
أراد: وحبال تغلب، فثنى، والحبال جمع فثناهما؛ لأنّه أراد الشيئين، أو النوعين، أو لأنّه ثناهما على تأويلهما بالجماعة، وتثنية الجمع جائزة على تأويل الجماعتين. قال الشاعر يذم عاملا على الصدقات: [البسيط]
سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا... فكيف لو قد سعى عمرو عقالين؟
لأصبح النّاس، أوبادا ولم يجدوا... عند التفرّق في الهيجا جمالين
فقد ثنى: «جمال» الذي هو جمع: جمل، والعقال: صدقة عام، والسبد: المال القليل، واللبد: المال الكثير، وأوبادا هلكى جمع وبد، فهو يقول: صار عمرو عاملا على الصدقات في سنة واحدة، فظلم، وأخذ أموال الناس بغير حق؛ حتى لم يبق لنا إلاّ شيء قليل من المال، فكيف تكون حالنا، أو كيف يبقى لأحد شيء لو صار عمرو عاملا في زكاة عامين؟ ثم يقسم، فقال: والله لو صار عاملا سنتين لصارت القبيلة هلكى، فلا يكون لهم عند التفرق في الحرب جمالان، فيختل أمر الغزوات.
{وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ} أي: وهو تعالى قادر على جمع الخلائق للحشر، والحساب، والجزاء في أي وقت شاء. هذا؛ وفي الضمير تغليب العاقل على غيره، ولولا التغليب لكان يقال:
على جمعها؛ لأنّ الضمير عائد على: {دابَّةٍ،} والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب: {وَمِنْ:} الواو: حرف عطف. (من آياته): متعلقان بمحذوف خبر مقدم، والهاء في محل جر بالإضافة. {خَلْقُ:} مبتدأ مؤخر، وهو مضاف، و {السَّماواتِ} مضاف إليه، من إضافة