للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال عكرمة-رحمه الله تعالى-: ما من نكبة أصابت عبدا فما فوقها إلاّ بذنب؛ لم يكن الله ليغفره له إلاّ بها، أو لينال درجة لم يكن يوصله إليها إلاّ بها. وروي: أنّ رجلا قال لموسى-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: يا موسى! سل الله لي في حاجة يقضيها لي، هو أعلم بها، ففعل موسى، فلما نزل إذ هو بالرجل، قد مزق السبع لحمه، وقتله، فقال موسى: ما بال هذا يا رب؟ فقال الله تبارك وتعالى له: يا موسى إنّه سألني درجة علمت أنّه لم يبلغها بعمله، فأصبته بما ترى؛ لأجعلها وسيلة له في نيل تلك الدرجة. فكان أبو سليمان الداراني إذا ذكر هذا الحديث يقول: سبحان من كان قادرا على أن ينيله تلك الدرجة بلا بلوى، ولكنه يفعل ما يشاء.

هذا؛ وروي: أنّ الله عزّ وجل ابتلى يعقوب-على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-بفقد ولديه: يوسف، وبنيامين، الثاني تلو الأول؛ ليصبر فيلحقه بدرجة أبيه إسحاق وجده إبراهيم، وخذ ما يلي: فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الرجل ليكون له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعمل، فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلّغه إيّاها». رواه أبو يعلى، وابن حبان. وعن محمد بن خالد عن أبيه عن جده-وكانت له صحبة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم-قال:

سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ العبد إذا سبقت له من الله منزلة، فلم يبلغها بعمل؛ ابتلاه الله في جسده، أو ماله، أو ولده، ثمّ صبر على ذلك حتى يبلّغه المنزلة التي سبقت له من الله عزّ وجلّ».

رواه أحمد، وأبو داود، وأبو يعلى، والطبراني، والمرأة مثل الرجل في ذلك، والحمد لله.

وقال الحسن البصري-رحمه الله تعالى-: دخلنا على عمران بن حصين-رضي الله عنه- فقال رجل له: لا بد أن أسألك عما أرى بك من الوجع، فقال عمران-رضي الله عنه-: يا أخي لا تفعل، فو الله إني لأحب الوجع، ومن أحبه كان أحب الناس إلى الله، قال الله تعالى: {وَما أَصابَكُمْ..}. إلخ فهذا مما كسبت يدي، وعفو ربي عما بقي أكثر. والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة، وأكتفي بما يلي: عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة-رضي الله عنهما-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما يصيب المؤمن من نصب، ولا وصب، ولا همّ، ولا حزن، ولا أذى، ولا غمّ؛ حتى الشوكة يشاكها إلاّ كفّر الله بها من خطاياه». رواه البخاري، ومسلم. ولا تنس: أن هذا في حق المؤمنين، وأمّا الكافر فعقوبته مؤخرة إلى الآخرة، ومهما أصابه بلاء في الدنيا، فإن ذلك لا يخفف عقوبة الآخرة، والخلود في جهنم، وأما من لا جرم له كالأنبياء؛ فما أصابهم من بلاء، فإنه لرفع درجاتهم، وعلوّ مقامهم. ومن لا ذنب له كالأطفال، والمجانين فما أصابهم من بلاء فإنه يكون سببا لتطهير آبائهم، وأمهاتهم من ذنوبهم، وسيئاتهم. هذا؛ ولا تنس قوله تعالى في سورة (فاطر) رقم [٤٥]: {وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى،} وقوله جلّ ذكره في سورة (النحل) رقم [٦١]: {وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى}.

<<  <  ج: ص:  >  >>