للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{بِهِ} انتهى. {وَما كانُوا مُهْتَدِينَ} أي لم يكونوا موفّقين في هذه التجارة، والباء في هذه الآية للعوض والمقابلة، وهي تدخل على المتروك كما هنا، وخذ قول الشاعر: [الرجز]

أخذت بالجمّة رأسا أزعرا... وبالثّنايا الواضحات الدّردرا

وبالطّويل العمر عمرا حيدرا... كما اشترى المسلم إذ تنصّرا

والمراد بالمسلم الذي تنصّر: جبلة بن الأيهم أمير بني غسان، وكان على دين النّصرانية، وقد أسلم، فقدم مكّة في أحسن زيّ، وبينما هو يطوف بالكعبة، وطئ رجل من قبيلة فزارة إزاره، فلطمه جبلة على عينه، فشكاه إلى عمر-رضي الله عنه-فحكم عليه أن يقتصّ منه باللّطمة، فقال له: تأخذ الملوك بالسّوقة؟! فقال له الفاروق: إن الإسلام قد سوّى بينكما، فسأله جبلة أن يؤخره إلى الغد، فسار ليلا، ولحق بالرّوم، وتنصّر، ثم ندم على ما فعل، وقال قبل موته: [الطويل]

تنصّرت بعد الحقّ عارا للطمة... ولم يك فيها لو صبرت لها ضرر

ويا ليتني أرعى المخاض بقفرة... وكنت أسيرا في ربيعة أو مضر

وأدركني فيها لجاج حمية... وبعت لها العين الصّحيحة بالعور

ويا ليت لي بالشّام أدنى معيشة... أجالس قومي ذاهب السّمع والبصر

فيا ليت أمّي لم تلدني وليتني... صبرت على القول الّذي قاله عمر

وملخص الكلام في الآية الكريمة: أنّ مطلوب التّجار سلامة رأس المال والرّبح، وهؤلاء قد أضاعوهما، فرأس مالهم الهدى، ولم يبق مع الضلالة، وإذا لم يبق لهم إلا الضلالة، لم يوصفوا بإصابة الربح؛ وإن ظفروا بالأغراض الدنيوية؛ لأن الضال خاسر، ولأنه لا يقال لمن لم يسلم له رأس ماله: قد ربح. انتهى. نسفي.

هذا واستبدالهم الغيّ بالرشاد، والكفر بالإيمان استعارة تصريحيّة، وذكر ربح التجارة هو التّرشيح؛ الذي يبلغ بالاستعارة الذروة العليا. قال الزمخشري: وهذا من الصنعة البديعية التي تبلغ بالمجاز الذروة العليا. انتهى. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {أُولئِكَ:} اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ، والكاف حرف خطاب لا محل له. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع خبر المبتدأ.

{اِشْتَرَوُا:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع واو الجماعة؛ التي هي فاعله، وحرّكت بالضم لالتقاء الساكنين. {الضَّلالَةَ:} مفعول به، والجملة

<<  <  ج: ص:  >  >>