أدوها في أوقاتها مع المحافظة على شروطها، وأركانها، وسننها، وآدابها. {وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ} أي: يتشاورون في جميع أمورهم الدينية، والدنيوية، والشورى مصدر شاورته مثل: البشرى، والذكرى، ونحوهن، فكانت الأنصار قبل قدوم النبي صلّى الله عليه وسلّم إليهم إذا أرادوا أمرا؛ تشاوروا فيه، ثم عملوا عليه، فمدحهم الله تعالى به، وأعظم ما تشاوروا فيه حين اجتمعوا لإنهاء حرب بعاث، واتفق رأيهم على تنصيب عبد الله بن أبي عليهم ملكا، ولولا نور الإسلام الذي بزغ في المدينة؛ لتم له ذلك، وهذا هو السبب في نفاقه، وكيده للإسلام والمسلمين في الخفاء، ولا تنس تشاورهم حين سمعوا بظهور النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومجيء النقباء إليهم حتى اجتمع رأيهم في دار أبي أيوب على الإيمان به، والنصرة له. انظر (استجاب) في سورة (فاطر) رقم [١٤]. وقال ابن العربي:
الشورى ألفة للجماعة، ومسبار للعقول، وسبب إلى الصواب، وما تشاور قوم قط؛ إلاّ هدوا لأرشد أمورهم. قال بشار بن برد:[الطويل]
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن... برأي لبيب أو مشورة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة... فإن الخوافي قوة للقوادم
الخوافي: ريشات إذا ضمّ الطائر جناحيه خفيت. والقوادم: عشر ريشات في مقدم جناح الطائر، وهي كبار الريش، وقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يشاور أصحابه في الأمور المتعلقة بمصالح الحروب، كالذي كان منه في غزوة بدر، وأحد، والأحزاب، وقد قال الله له في سورة (آل عمران) رقم [١٥٩]: {وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} فأمره الله عز وجل باستشارة أصحابه، وهو أرجحهم عقلا، وأقومهم رأيا، وأنضجهم فكرا، ليلفت نظر الأمة إلى ما في المشورة من آثار طيبة، ونتائج حميدة، وليكون لهم فيه أسوة حسنة، فكان صلّى الله عليه وسلّم لا يكاد يبرم أمرا من الأمور الدنيوية، أو التي لم ينزل عليه فيها وحي إلاّ بعد أن يعرضه على ذوي العقول الراجحة، والأفئدة النيرة من أصحابه، حتى إذا محصته المشورة، وأقرته الجمهرة، نزل الجميع على ما رأته الأغلبية بحيث لا يخرجون عنه، ولا يخالفونه، احتراما للجماعة، وتقديرا لذوي الرأي، والمكانة، وجمعا للكلمة، وتوحيدا للصف.
وليس أدل على ما للشورى من أهمية كبرى في الإسلام من أنّ الله تعالى قد قرنها بهذه الآية الكريمة بركنين عظيمين من أركانه، وهما إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، فالآية الكريمة هادية إلى أنّ الشورى يجب أن تكون بين المسلمين على اختلاف طبقاتهم، وهيئاتهم، بين المسلمين عامة، وبين أبناء القطر الواحد، وبين أبناء البلد الواحد، وبين أبناء القرية الواحدة، وهي من أسس الإسلام القويمة، ومبادئه الحقة، ورحم الله من يقول:[البسيط]
عقل الفتى ليس يغني عن مشاورة... كعفّة الخود لا تغني عن الرجل
إن المشاور إما صائب غرضا... أو مخطئ غير منسوب إلى الخطل