للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} أي: إذا ركبتم عليه، وذكر النعمة هو الحمد لله على تسخير ذلك لنا في البر، والبحر. {وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا} أي: ذلّل لنا هذا المركب. وفي قراءة: «(سبحان من سخّر لنا هذا)». والضمير في {عَلَيْهِ} والإشارة فيهما مراعاة للفظ (ما) أيضا. {وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ} أي: مطيقين في قول ابن عباس، والكلبي. وقال الأخفش، وأبو عبيدة: ضابطين. وقيل: مماثلين في الأيد، والقوة؛ من قولهم: هو قرن فلان:

إذا كان مثله في القوة. ويقال: فلا مقرن لفلان؛ أي: ضابط له، ومن مجيئه بمعنى: مطيقين ما أنشده قطرب من قول عمرو بن معديكرب الزبيدي-رضي الله عنه-: [الوافر]

لقد علم القبائل ما عقيل... لنا في النائبات بمقرنينا

وقال آخر: [الوافر]

ركبتم صعبتي أشرا وحيفا... ولستم للصعاب بمقرنينا

هذا؛ ويقال: أقرن الشيء: إذا أطاقه. قال ابن هرمة: [الطويل]

وأقرنت ما حملتني ولقلّما... يطاق احتمال الصّدّ يادعد والهجر

هذا؛ و {مُقْرِنِينَ} بتشديد الراء بمعنى: مقيدين بالسلاسل، والأغلال.

قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: علمنا الله ما نقول إذا ركبنا الدواب، وعرفنا في آية أخرى على لسان نوح-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-ما نقول إذا ركبنا السفن، وهي قوله تعالى في سورة (هود): {*وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ،} فكم من راكب دابة عثرت به، أو شمست، أو تقحمت، أو طاح من ظهرها فهلك، وكم من راكبين سفينة انكسرت بهم، فغرقوا، فلما كان الركوب مباشرة أمر محظور، واتصالا بأسباب من أسباب التلف أمر ألاّ ينسى عند اتصاله به موته، وأنّه هالك لا محالة، فمنقلب إلى الله عزّ وجل، غير منفلت من قضائه، ولا يدع ذكر ذلك بقلبه، ولسانه حتى يكون مستعدا للقاء الله بإصلاحه من نفسه، والحذر من أن يكون ركوبه ذلك من أسباب موته في علم الله، وهو غافل عنه.

قال ابن العربي: وما ينبغي لعبد أن يدع قول هذا، وليس بواجب ذكره باللسان، فيقول متى ركب-وخاصة في السفر-إذا تذكر: {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ} اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل والمال، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، وسوء المنظر في الأهل، والمال. يعني بالحور بعد الكور: تشتت أمر الرجل بعد اجتماعه.

وذكر الثعلبي عن علي-رضي الله عنه- «أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا وضع رجله في الركاب قال:

(بسم الله) فإذا استوى قال: الحمد لله على كلّ حال. {سُبْحانَ الَّذِي} إلى قوله {لَمُنْقَلِبُونَ} وإذا نزلتم من الفلك والأنعام، فقولوا: {رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ»}.

<<  <  ج: ص:  >  >>