للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما عشا، يعشو من الثلاثي، فهو من: عشا إلى النار: إذا رآها من بعيد، فقصدها مستضيئا، أو راجيا: أنها نار قرى على حد قول الحطيئة، وهو الشاهد رقم [١٥١] من كتابنا:

«فتح رب البرية». [الطويل]

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره... تجد خير نار عندها خير موقد

والآية الكريمة بمعنى: يصدّ، ويتعامى. ومثلها في المعنى قول حاتم الطائي: [السريع]

أعشو إذا ما جارتي برزت... حتّى يواري جارتي الخدر

هذا؛ وقرئ: «(ومن يعش)» بفتح الشين، ومعناه: يعمى. يقال: عشي، يعشى عشا: إذا عمي، ورجل أعشى، وامرأة عشواء؛ إذا كانا لا يبصران، ومنه قول الأعشى في معلقته رقم [٢٠]. [البسيط] أأن رأت رجلا أعشى أضرّ به... ريب المنون ودهر مفند خبل

والمراد: ب‍: {ذِكْرِ الرَّحْمنِ} القرآن. {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً:} نهيئ له، ونسلط عليه شيطانا يتلاعب به كيفما يشاء. {فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ:} ملازم له، لا يفارقه، يزين له العمى، ويخيل إليه: أنّه على الهدى. وفي الآية تحذير من سلوك طرق الشر. ومن سلك طريق الشر؛ فالله يكله إلى شيطانه، يتلاعب به كيف يشاء، بخلاف من اهتدى، وسلك طريق الخير؛ فإنه يجد توفيقا من الله إلى الخير، وعونا عليه، قال تعالى في سورة (محمد صلّى الله عليه وسلّم) الآية رقم [١٧]: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ} هذا؛ وانظر ما ذكرته في سورة (فصلت) رقم [٢٥]. وقال القرطبي، وغيره:

هذه الآية متصلة بقوله أول السورة: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً} أي: لا نضربه، بل نواصله لكم، فمن يعش عن ذلك الذكر بالإعراض عنه إلى تأويل المضلين، وأباطيلهم {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً} أي: نسبب له شيطانا جزاء له على كفره {فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} في الدنيا يمنعه عن الحلال، ويبعثه على الحرام، وينهاه عن الطاعة، ويأمره بالمعصية. وهو معنى قول ابن عباس-رضي الله عنهما-. انتهى. هذا؛ وقال الزمخشري: وقرئ «(يعشو)» على أن (من) موصولة غير مضمنة معنى الشرط، وحق هذا القارئ أن يرفع «(نقيّض)». انتهى. أقول: وهذه قراءة شاذة. ولا تنس استعارة العشا للضلال.

الإعراب: {وَمَنْ:} الواو: حرف استئناف. (من): اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {يَعْشُ:} فعل مضارع فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الألف، أو الواو، والفاعل مستتر، تقديره: «هو»، يعود إلى (من). {عَنْ ذِكْرِ:}

متعلقان بما قبلهما، و {ذِكْرِ} مضاف، و {الرَّحْمنِ} مضاف إليه. من إضافة المصدر لمفعوله، وفاعله محذوف. {نُقَيِّضْ:} فعل مضارع جواب الشرط، والفاعل ضمير مستتر تقديره: «نحن».

{لَهُ:} متعلقان بما قبلهما. {شَيْطاناً:} مفعول به، وخبر المبتدأ الذي هو (من) مختلف فيه،

<<  <  ج: ص:  >  >>