هذا؛ وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه عنه أبو هريرة-رضي الله عنه-: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل». وقال:«الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف». ورحم الله من يقول في ذلك:[البسيط]
إن القلوب لأجناد مجندة... قول الرسول فمن ذا فيه يختلف؟
فما تعارف منها، فهو مؤتلف... وما تناكر منها، فهو مختلف
وفي معنى الحديث الأول يقول طرفة بن العبد في معلقته رقم [١١٥]: [الطويل]
عن المرء لا تسأل، وسل عن قرينه... فكلّ قرين بالمقارن يقتدي
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم... ولا تصحب الأردى فتردى مع الرّدي
{إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} أي: فإن خلتهم، وصداقتهم لما كانت في الله تبقى نافعة أبد الآبدين.
هذا؛ وذكر الإمام علي-رضي الله عنه، وكرّم الله وجهه-في هذه الآية، فقال: كان خليلان مؤمنان، وخليلان كافران، فمات أحد المؤمنين، فقال: يا رب! إنّ فلانا كان يأمرني بطاعتك، وطاعة رسولك، وكان يأمرني بالخير، وينهاني عن الشر، ويخبرني: أنّي ملاقيك، يا رب! فلا تضله بعدي، واهده كما هديتني، وأكرمه كما أكرمتني، فإذا مات خليله المؤمن جمع الله بينهما، فيقول الله تعالى: ليثن كل واحد منكما على صاحبه، فيقول: يا رب! إنه كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالخير، وينهاني عن الشر، ويخبرني: أني ملاقيك، فيقول الله تعالى:
نعم الخليل، ونعم الأخ، ونعم الصاحب كان!.
ويموت أحد الكافرين، فيقول: يا رب! إنّ فلانا كان ينهاني عن طاعتك، وطاعة رسولك، ويأمرني بالشر، وينهاني عن الخير، ويخبرني: أني غير ملاقيك، فأسألك: يا رب أن لا تهديه بعدي، وأن تضله كما أضللتني، وأن تهينه كما أهنتني، فإذا مات خليله الكافر؛ قال الله تعالى لهما: ليثن كل واحد منكما على صاحبه، فيقول: يا رب! إنه كان يأمرني بمعصيتك، ومعصية رسولك، ويأمرني بالشرّ، وينهاني عن الخير، ويخبرني: أني غير ملاقيك، فأسألك أن تضاعف له العذاب، فيقول الله تعالى: بئس الصاحب، والأخ، والخليل كنت! فيلعن كل واحد منهما صاحبه. انتهى. قرطبي، وخازن. أقول: وهو كقوله تعالى في سورة (العنكبوت) رقم [٢٥] حكاية عن قول إبراهيم-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ} وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٢٧] وما بعدها من سورة (الفرقان) فهناك بحث جيد يسرّك، ويثلج صدرك.
الإعراب:{الْأَخِلاّءُ:} مبتدأ. {يَوْمَئِذٍ:} ظرف زمان متعلق ب: {عَدُوٌّ،} و (إذ) ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل جر بالإضافة، والتنوين عوض من جملة محذوفة؛