وجعلها بالإشارة القريبة كالحاضرة التي ينظر إليها. هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (الأعراف) رقم [٤٢]: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
فعن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة-رضي الله عنهما-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا دخل أهل الجنّة الجنة نادى مناد: إنّ لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإنّ لكم أن تصحّوا، فلا تسقموا أبدا، وإنّ لكم أن تشبّوا، فلا تهرموا أبدا، وإنّ لكم أن تنعموا، فلا تيأسوا أبدا». فذلك قوله عزّ وجل:{وَنُودُوا أَنْ..}. إلخ. وروى أبو هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«ما من أحد إلا وله منزل في الجنة، ومنزل في النّار، فأمّا الكافر؛ فإنّه يرث المؤمن منزله من النار، والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنة، فذلك قوله تعالى: أورثتموها بما كنتم تعملون». انتهى. ولا تنس قوله تعالى في سورة (المؤمنون) رقم [١٠ و ١١]: {أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ}.
هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (السجدة) رقم [١٩]: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} أي: بسبب أعمالهم، وليس المراد السبب الحقيقي حتى يخالف نص الحديث الشريف، وفحوى هذا: أنّ نص الآيات يفيد أنّ دخول الجنة مسبب عن الأعمال الصالحة، والرسول صلّى الله عليه وسلّم يقول:«لن يدخل أحدا عمله الجنة! قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: ولا أنا إلاّ أن يتغمدني الله بفضله، ورحمته، فسدّدوا، وقاربوا». أخرجه البخاري عن أبي هريرة-رضي الله عنه-.
والجمع بين هذه الآيات والحديث الشريف بأن محمل الآيات على أنّ منازل الجنة إنّما تنال بالأعمال؛ لأنّ درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال، وأن محمل الحديث الشريف على أصل دخول الجنة، فإن قيل: آية السجدة صريحة في أنّ دخول الجنة أيضا بالأعمال، أجيب بأنه لفظ مجمل بيّنه الحديث الشريف، والتقدير: ادخلوا منازل الجنة وقصورها بما كنتم تعملون، وليس المراد أصل الدخول، أو المراد ادخلوها بما كنتم تعملون مع رحمة الله، وتفضله عليكم؛ لأنّ اقتسام منازل الجنة برحمته، وكذا أصل دخولها حيث ألهم العاملين ما نالوا به ذلك، ولا يخلو شيء من مجازاته لعباده من رحمته، وفضله، لا إله إلاّ هو، له الملك، وله الحمد. انتهى. حاشية الشنواني على مختصر ابن أبي جمرة. بعد ما تقدم لا تنس الالتفات من الغيبة في الآية السابقة إلى الخطاب في هذه الآية. انظر الالتفات في الآية رقم [١١]. هذا؛ وفي الآية استعارة؛ حيث شبه الجنة بالمال الموروث، ثم استعار له الإرث على طريق الاستعارة المكنية.
الإعراب:{وَتِلْكَ:} الواو: حرف استئناف. (تلك): اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب، لا محل له. {الْجَنَّةُ:} خبر المبتدأ. {الَّتِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع صفة: {الْجَنَّةُ}. {أُورِثْتُمُوها:} فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون، والتاء نائب فاعله، وهو المفعول الأول، والميم علامة جمع الذكور، وحركت