للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنّا نَعْمَلُ} فيجابون: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ} سورة (فاطر)، فينادون ألف سنة: {رَبِّ ارْجِعُونِ} فيجابون: {اِخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ} سورة (المؤمنون). {وَلا تُكَلِّمُونِ} أي: في رفع العذاب، وتخفيفه، فإني لا أرفعه عنكم، فعند ذلك ييأس المساكين من الفرج. قال الحسن-رحمه الله تعالى-: هو آخر كلام يتكلم به أهل النار، ثم لا يتكلمون بعد ذلك، ما هو إلا الزفير والشهيق، وعواء كعواء الكلاب، لا يفهمون، ولا يفهمون. وينبغي أن تعلم: أنّه لا يوجد في الآخرة ليل، ولا نهار، ولا شهور، ولا أعوام، وإن ما ذكر من الآلاف إنما هو بالتقدير، وقد يعترض بعض الناس، فيقول: هذا العذاب الشديد، والمكث الطويل في جهنم، هذا كله من أجل كفر الكافر في أيام معدودة في الدنيا، وكثير من الكفار لا يعيشون في الدنيا عشرين عاما، ومنهم من يعيش أكثر، أو أقل، ولماذا استحقوا هذا العذاب الشديد، الذي لا انتهاء له، ولا انقطاع؟ والجواب عن ذلك أنهم استحقوا العذاب لإصرارهم على الكفر، ونيتهم البقاء عليه، ولو عاشوا آلاف السنين في الدنيا، فمن أجل هذا جوزوا بالخلود في نار الجحيم. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

هذا؛ وقرئ: «(يا مال)»: بحذف الكاف على الترخيم، والترخيم: حذف، أواخر الكلم في النداء خاصة. وقيل لابن عباس-رضي الله عنهما-: إن ابن مسعود-رضي الله عنه-قرأ:

«(ونادوا يا مال)» فقال: ما أشغل أهل النار عن الترخيم، وعن بعضهم: حسّن الترخيم: أنهم يقتطعون بعض الاسم؛ لضعفهم، وعظم ما هم فيه. وقد قرئ: «(يا مال)» بضم اللام على لغة من لا ينتظر، وقرئ بكسر اللام على لغة من ينتظر.

هذا؛ والمكث في الأصل مصدر: مكث، يمكث، بمعنى: أقام، يقيم. قال الكميت يذم ولاة السوء في عهد بني أمية، وهو الشاهد رقم [٥٥٤] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الطويل]

فتلك ولاة السوء قد طال مكثهم... فحتّام حتّام العناء المطوّل؟!

والمكث: بضم الميم وتكسر، وهذا على أنه اسم، وأمّا المصدر؛ فإن كان فعله من باب:

نصر فهو بضم الميم أيضا، وإن كان من باب: كرم فهو بفتح الميم. هذا؛ والتعبير بالماضي عن المضارع إنما هو لتحقق الوقوع.

الإعراب: {وَنادَوْا:} الواو: حرف استئناف. (نادوا): ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع واو الجماعة؛ التي هي فاعله، والألف للتفريق: {يا مالِكُ:} (يا):

أداة نداء تنوب مناب أدعو. (مالك): منادى مفرد علم مبني على الضم في محل نصب ب‍: (يا).

{لِيَقْضِ:} فعل مضارع مجزوم بلام الدعاء وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها. {عَلَيْنا:} متعلقان بما قبلهما. {رَبُّكَ:} فاعله، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والكلام: {يا مالِكُ}

<<  <  ج: ص:  >  >>