للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جبريل عليه السّلام أملاه منه على ملائكة السماء الدنيا، فكتبوه في صحف، وكانت عندهم في محل من تلك السماء يسمى بيت العزة، ثم نجّمته الملائكة المذكورون على جبريل في ثلاث وعشرين سنة، ينزل بها على النبي صلّى الله عليه وسلّم بحسب الوقائع، والأحداث، ومقتضيات الأحوال.

هذا؛ وقيل: إن المراد بالليلة المباركة: ليلة النصف من شعبان، والقول الأول هو الأكثر، بل والمعتمد، لقوله تعالى في سورة (القدر): {إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} ولمطابقة قوله هنا: {فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} ولقوله تعالى في سورة (القدر) أيضا: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} وقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} وليلة القدر في شهر رمضان على أصح الأقوال، وأقواها. {إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ} أي: مخوفين، والمعنى: لتنذر به الخلق؛ لأنّ من شأننا، وعادتنا ألا نترك الناس دون إنذار، وتخويف وتحذير من العقاب؛ لتقوم الحجة عليهم.

هذا؛ و (نا): في قوله تعالى: {إِنّا كُنّا} و {أَنْزَلْناهُ} ونحو ذلك فقد قال ابن تيمية-رحمه الله تعالى-في كتابه: «الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح»: وقوله تعالى: (جعلنا) (وهبنا).

(نحن) و (إنا) لفظ يقع في جميع اللغات على من له شركاء، وأمثال، وعلى الواحد العظيم المطاع، الذي له أعوان يطيعونه، وإن لم يكونوا له شركاء، ولا نظراء، والله تعالى خلق كل ما سواه فيمتنع أن يكون له شريك، أو مثل، والملائكة وسائر العالمين جنوده، فإذا كان الواحد من الملوك يقول: فعلنا، وإنا، ونحن... إلخ، ولا يريدون: أنهم ثلاثة ملوك. فمالك الملك رب العالمين، ورب كل شيء، ومليكه هو أحق أن يقول: فعلنا، ونحن، وإنا... إلخ، مع أنه ليس له تعالى شريك، ولا مثل، بل له جنود السموات، والأرض. انتهى.

أقول: و (نا): هذه تسمى نون العظمة، وليست دالة على الجماعة، كما يزعم الملحدون والكافرون، فالله لا شريك له في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وكثيرا ما يتكلم به العبد، ذكرا كان، أم أنثى، فيقول: أخذنا، وأعطينا... إلخ، وليس معه أحد، والغاية من هذا الكلام الرد على النصارى الذين يدخلون الشبهة على السذج من المسلمين بأن الإله ثلاثة أقانيم:

الأب، والابن، وروح القدس، ويدعمون شبهتهم هذه بالألفاظ الموجودة في القرآن، والتي ظاهرها يفيد الجمع. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {إِنّا:} حرف مشبه بالفعل. و (نا): اسمها، حذفت نونها، وبقيت الألف دليلا عليها. {أَنْزَلْناهُ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (إنّ). {فِي لَيْلَةٍ:} متعلقان بما قبلهما. {مُبارَكَةٍ:} صفة: {لَيْلَةٍ،} والجملة الاسمية: {إِنّا أَنْزَلْناهُ..}.

إلخ جواب القسم. وقيل: الجملة الثانية جواب القسم، وهذه معترضة. وقيل: الثانية خبر ثان.

وقيل: هي مستأنفة. {إِنّا:} حرف مشبه بالفعل، و (نا): اسمها. {كُنّا:} ماض ناقص مبني على السكون، و (نا): اسمها. {مُنْذِرِينَ:} خبر (كان) منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن

<<  <  ج: ص:  >  >>