حتى تروا قبلها عشر آيات، فذكر الدخان، والدجّال، والدابّة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم، وخروج يأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم».
وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٦١] من سورة (الزخرف).
القول الثاني: أن الدخان هو ما أصاب قريشا من الجوع بدعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ حتى كان الرجل يرى بين السماء والأرض دخانا. قاله ابن مسعود-رضي الله عنه-. قال: وقد كشفه الله عنهم، ولو كان يوم القيامة لم يكشفه عنهم، فقال: إنما كان هذا؛ لأنّ قريشا لما استعصت على النبي صلّى الله عليه وسلّم دعا عليهم بسنين كسني يوسف، عليه السّلام، فأصابهم قحط، وجهد؛ حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء، فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، فأنزل الله تعالى:
{فَارْتَقِبْ} ... {عَذابٌ أَلِيمٌ} قال: فأتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقيل: يا رسول الله استسق لمضر؛ فإنّها قد هلكت، قال:«لمضر؟ إنك لجريء!» فاستسقى، فسقوا، فنزلت:{إِنَّكُمْ عائِدُونَ} فلما أصابتهم الرفاهية؛ عادوا إلى حالهم من العصيان، والطغيان، فأنزل الله عزّ وجل:{يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنّا مُنْتَقِمُونَ} قال: يعني يوم بدر. قال أبو عبيدة: والدخان: الجدب. قال القتبي: سمي دخانا ليبس الأرض منه حين يرتفع منها كالدخان، والذي أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وطلب منه أن يدعو الله هو: أبو سفيان، وهو ما في السيرة الحلبية، وزيني دحلان.
القول الثالث: إنه يوم فتح مكة لما حجبت السماء الغبرة. قاله عبد الرحمن الأعرج.
انتهى. قرطبي بتصرف، واختصار مني، والقول الثالث ضعيف جدا، والقول الأول اعتمده ابن عباس-رضي الله عنهما-.
هذا؛ وعد ما ذكر الله في هذه الآيات من الإخبار عن المغيبات التي تقع في المستقبل، قال الزرقاني-رحمه الله تعالى-: وفي هذه الآيات عند التأمل خمسة تنبؤات: أولها: الإخبار بما يغشاهم من القحط وشدة الجوع، حتى يرى الرجل بينه وبين السماء كهيئة الدخان. الثاني:
الإخبار بأنهم سيضرعون إلى الله حين تحلّ بهم هذه الأزمة. الثالث: الإخبار بأنّ الله سيكشف عنهم ذلك العذاب قليلا. الرابع: الإخبار بأنهم سيعودون إلى كفرهم، وعتوهم. الخامس:
الإخبار بأنّ الله سينتقم منهم يوم البطشة، وهو يوم بدر. ثم قال: ولقد حقق الله ذلك كله، ما انخرم منه ولا نبوءة واحدة، فأصيبوا بالقحط حتى أكلوا العظام، وجعل الرجل ينظر إلى السماء، فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان من شدة جوعه، وجهده، ثم قالوا متضرعين:{رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنّا مُؤْمِنُونَ} ثم كشف الله عنهم العذاب قليلا، ثم عادوا إلى كفرهم، وعتوهم، فانتقم الله منهم يوم بدر، فبطش الله بهم البطشة الكبرى؛ حيث قتل منهم سبعون، وأسر سبعون، وأديل للمسلمين منهم. أرأيت ذلك كله؛ هل يمكن أن يصدر مثله من مخلوق؟! كلا بل هو الله العزيز الحكيم. انتهى. علوم القرآن للصابوني.