عندك؛ أي: بعد رجل عندك. وقيل:{إِلاَّ} بمعنى: سوى؛ أي: سوى الموتة التي ماتوها في الدنيا، ولم يذكر ابن هشام في مغنيه هذين المعنيين ل:«إلا» وذكر ابن هشام، والمرادي في جناه أن (إلاّ) تأتي بمعنى: «غير»، وغير، وسوى بمعنى واحد، وقال المرادي: ومن أغرب ما قيل في «إلا» أنها قد تكون بمعنى: بعد، وجعل هذا القائل من ذلك قوله تعالى:{إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ} سورة (النساء) رقم [٢٢]، وقوله تعالى:{إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى} سورة (الدخان) رقم [٥٦].
وقال القتبي:{إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى} معناه: أن المؤمن إذا أشرف على الموت؛ استقبلته ملائكة الرحمة، ويلقى الروح، والريحان، وكان موته في الجنة لاتصافه بأسبابها، فهو استثناء صحيح، والموت عرض لا يذاق، ولكن جعل كالطعام الذي يكره ذوقه، فاستعير فيه لفظ الذوق.
وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف استثنيت الموتة الأولى المذوقة قبل دخول الجنة من الموت المنفي ذوقه فيها، قلت: أريد أن يقال: لا يذوقون فيها الموت ألبتة. فوضع قوله:{إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى} موضع ذلك؛ لأنّ الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل، فهو من باب التعليق بالمحال، كأنه قيل: إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذوقها في المستقبل؛ فإنهم يذوقونها.
{وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ:} حفظهم الله من عذاب جهنم، وفي سورة (الطور) رقم [١٨]:
{وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ}. هذا؛ والفعل:(وقى) من اللفيف المفروق، فتحذف فاؤه من المضارع مثل كل فعل مثال، مثل: وعد، يعد، ووزن، يزن... إلخ. وتحذف لامه في الأمر مع فائه لبنائه على حذف حرف العلة، مثل كل فعل ناقص معتل الآخر، مثل: اسع، ارم، ادع، فيبقى فعل الأمر حرفا واحدا (ق) ومثله: وعى، يعي، ع، ووفى، يفي، ف، وولي، يلي، ل، ووطي، يطي، ط، وإذا لم يتصل به ضمير تلحقه هاء السكت، فتقول: قه، له، فه، عه... إلخ.
الإعراب:{لا:} نافية. {يَذُوقُونَ:} فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل نصب حال من واو الجماعة، أو من الضمير المستتر في:{آمِنِينَ،} فهي حال متداخلة على الوجهين. {فِيهَا:} متعلقان بما قبلهما. {الْمَوْتَ:} مفعول به. {إِلاَّ:} أداة استثناء، أو حرف حصر. {الْمَوْتَةَ:} منصوب على الاستثناء المتصل، أو المنقطع حسبما رأيت في الشرح، وعلى اعتبار (إلا) بمعنى: (سوى) فهي صفة: {الْمَوْتَ} ظهر إعرابها على ما بعدها بطريق العارية، وتكون مضافة، و {الْمَوْتَةَ:} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة {إِلاَّ؛} التي هي على صورة الحرف.
{الْأُولى:} صفة: {الْمَوْتَةَ} منصوب مثله، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف للتعذر، ويشبه هذه الآية الآية رقم [٥٩] من سورة (الصافات) فانظرها هناك. {وَوَقاهُمْ:} الواو: واو الحال. (وقاهم): فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والهاء مفعول به أول،