أمامهم وقال جلّ شأنه في سورة (المؤمنون) رقم [١٠٠]: {وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} وقال عبيد بن الأبرص: [الطويل]
أليس ورائي إن تراخت منيّتي... أدبّ مع الولدان أزحف كالنّسر
وخذ قول لبيد بن ربيعة الصحابي-رضي الله عنه-: [الطويل]
أليس ورائي إن تراخت منيّتي... لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
أخبّر أخبار القرون التي مضت... أدبّ كأنّي كلّما قمت راكع
المعنى: أليس أمامي، وقدامي. هذا؛ واللغة العربية غنية بالكلمات التي تعني الضدين، وتحتمل معنيين متقابلين منه ما رأيته من لفظ (وراء)، ومنها: الغابر في كثير من الآيات {كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ} فإنه يحتمل من الباقين ومن الهالكين، ومنها لفظ جلل للعظيم، والحقير، فمن الأول قول الحارث بن وعلة بن ذهل بن شيبان الذهلي-وهو الشاهد رقم [١٩٢] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [الكامل]
فلئن عفوت لأعفون جللا... ولئن سطوت لأوهنن عظمي
ومن الثاني قول امرئ القيس لما قتل أبوه وهو الشاهد رقم [١٩٣] من كتابنا المذكور: [المتقارب] بقتل بني أسد ربّهم... ألا كلّ شيء سواه جلل
أي: هين، وحقير لا قيمة له. ومنه: الجون للأبيض، والأسود، والبين: للقرب والبعد، والصريم: لليل والنهار، وبهما فسر قوله تعالى في سورة (ن): {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} فمن قال: الصريم:
الليل يكون المعنى: احترقت فاسودّت. ومن قال النهار يكون المعنى: يبست، وذهبت خضرتها.
والناصع: للأبيض، والأسود، والناهل: للرّيّان، والظمان، والسليم: للديغ، والصحيح، وشعبت الشيء: أصلحته، وشققته، والصارخ: للمغيث، والمستغيث، والهاجد: للمصلي في الليل، والنائم، والوهدة: للانحدار، والارتفاع، والتعزيز: للإكرام، والإهانة، والتقريظ: للمدح، والذم، وترب: للغني، والفقير، والإهماد: للسرعة في السير، والإقامة، وعسعس: إذا أقبل، وإذا أدبر، قال تعالى في سورة التكوير: {وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ} والقرء: للحيض، والطهر.
ومنه قيل في قوله تعالى في سورة (طه) رقم [٦٢] وفي سورة (الأنبياء) رقم [٣]: {وَأَسَرُّوا النَّجْوى:} إن أسروا يحتمل أن يكون بمعنى: أظهروا، وأن يكون بمعنى: أخفوا، فهو من الأضداد، وأيضا قوله تعالى في سورة (يونس) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:
{وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمّا رَأَوُا الْعَذابَ} كما قيل به في قول امرئ القيس-وهو الشاهد رقم [٤٧٢] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»، وهو من معلقته رقم [٣٢] -: [الطويل]