هذا؛ و {أَيّامَ اللهِ} وقائعه بأعدائه الكافرين من قولهم: أيام العرب وقائعهم، واستعمال الأيام بمعنى الوقائع مجاز مشهور، ومعنى: {لا يَرْجُونَ أَيّامَ اللهِ:} لا يرجون ثوابه. وقيل:
المعنى: لا يخافون بأسه، ونقمه، وهو أولى هنا. ومثل الآية قوله تعالى في سورة (الفرقان) رقم [٢١]: {وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا..}. إلخ وهي لغة تهامة، ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي في صفة عسّال؛ أي: الذي يقطف عسل النحل: [الطويل]
إذا لسعته الدّبر لم يرج لسعها... وخالفها في بيت نوب عواسل
وقال بعض العلماء: لا يقع الرجاء بمعنى: الخوف إلاّ مع الجحد؛ أي: النفي كقوله تعالى في سورة (نوح) على نبينا، وعليه ألف صلاة وسلام: {ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقاراً} وقال بعضهم: بل يقع في كل موضع دلّ عليه المعنى. وهو المعتمد. هذا؛ وأصل الرجاء: الأمل في الشيء، والطماعية فيه. قال الشاعر: [الوافر]
أترجو أمّة قتلت حسينا... شفاعة جدّه يوم الحساب؟!
والرجاء يكون بمعنى: الأمل، قال خبيب بن عدي-رضي الله عنه-: [الطويل]
لعمرك ما أرجو إذا كنت مسلما... على أيّ جنب كان في الله مصرعي
هذا؛ وقرئ «(لنجزي)» كما قرئ «(ليجزى)» بالبناء للمجهول، ونصب {قَوْماً،} ورفعه. وانظر الإعراب.
الإعراب: {قُلْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت». {لِلَّذِينَ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، وجملة: {آمَنُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها.
{يَغْفِرُوا:} فيه ثلاثة أوجه: أحدها: هو جواب: {قُلْ،} وتقدير الكلام: إن تقل لهم؛ يغفروا.
قاله الأخفش، ورده قوم، قالوا: لأن قول الرسول لهم لا يوجب أن يغفروا، أو يتجاوزوا، أو يعفوا، وهذا عندي لا يبطل قول الأخفش؛ لأنه لم يرد أمر الكفار، بل المؤمنين الصادقين كما هو واضح، وإذا قال لهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم: اغفروا، وتجاوزوا؛ عن الكافرين غفروا وتجاوزوا؛ لأنهم مأمورون بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، استجابة لقوله تعالى: {وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}.
والوجه الثاني: وحكي عن المبرد، وهو: أنّ التقدير: قل لهم: اغفروا؛ يغفروا، فيغفروا المصرح به جواب اغفروا المحذوف. حكاه جماعة عنه، ولم يتعرضوا لإفساده، وهو فاسد لوجهين: أحدهما: أنّ جواب الشرط يخالف الشرط، إما في الفعل، وإما في الفاعل، وإما فيهما، فأما إذا كان مثله في الفعل والفاعل فهو خطأ، كقولك: قم تقم، والتقدير على ما ذكر في هذا الوجه: إن يغفروا يغفروا. والوجه الثاني: أنّ الأمر للمواجهة، ويغفروا على لفظ الغيبة، وهو خطأ؛ إذ كان الفاعل واحدا.