الشاربة-: شريعة، ومنه الشارع؛ لأنه طريق إلى المقصد، فالشريعة ما شرعه الله لعباده من الدين، والجمع: الشرائع. والشرائع في الدين: المذاهب؛ التي شرعها الله لخلقه. هذا؛ والشريعة في الأصل ما يرده الناس من المياه، والأنهار، فاستعير ذلك للدين، والعبادة؛ لأنّ العباد يردون ما تحيا به نفوسهم من العلم، وأمور العبادة والدين. {فَاتَّبِعْها:} فاتبع شريعتك الثابتة بالحجج الدامغة. {وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} أي: آراء الجهال التابعة للشهوات، وهم رؤساء قريش؛ حيث قالوا له: ارجع إلى دين آبائك، فإنهم كانوا أفضل منك.
هذا؛ و {أَهْواءَ} جمع: هوى يقصر، ويمد، والمراد: بالأول الحب، والعشق، والغرام، وهو أيضا: محبة الإنسان للشيء، وغلبته على قلبه. قال تعالى في سورة (الفرقان) رقم [٤٣]:
{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ..}. إلخ، وقد نهى الله عنه بقوله:{فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى،} ومدح من يخافه ويخشاه بقوله: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى} أي: نهاها عن شهواتها، وما تدعو إليه من معاصي الله تعالى، ويراد بالممدود: ما بين السماء والأرض. وقد جاء الهوى بمعنى: العشق ممدودا في الشعر، ومنه قول الشاعر:[الطويل]
وهان على أسماء إن شطّت النّوى... نحنّ إليها والهواء يتوق
وإليك هذين البيتين فإنهما من النكت الحسان:[الكامل]
جمع الهواء مع الهوى في مهجتي
وقال أبو عبيدة-رحمه الله تعالى-: لم نجد الهوى يوضع إلاّ موضع الشر؛ لأنه لا يقال:
فلان يهوى الخير، بل يقال: فلان يحب الخير، وجمعه: أهواء، وجمع الممدود: أهوية. وانظر الآية رقم [٢٣]. هذا؛ و {لا يَعْلَمُونَ} هنا من المعرفة، لا من العلم اليقيني، والفرق بينهما: أن المعرفة تكتفي بمفعول واحد، قال ابن مالك-رحمه الله تعالى-في ألفيته:[الرجز]
لعلم عرفان وظنّ تهمه... تعدية لواحد ملتزمه
بخلافه من العلم اليقيني، فإنه ينصب مفعولين، أصلهما مبتدأ وخبر، وأيضا فالمعرفة تستدعي سبق جهل، وأنّ متعلقها الذوات، دون النسب، بخلاف العلم، فإن متعلقه المعاني، والنسب، وتفصيل ذلك: أنك إذا قلت: عرفت زيدا، فالمعنى: أنك عرفت ذاته، ولم ترد أنك عرفت وصفا من أوصافه، فإذا أردت هذا؛ لم يتجاوز مفعولا واحدا؛ لأنّ المعرفة تناول الشيء نفسه، ولم يقصد إلى غير ذلك، وإذا قلت: علمت زيدا قائما، لم يكن المقصود: أن العلم تناول نفس زيد فحسب، وإنما المعنى: أنّ العلم تناول كون زيد موصوفا بهذه الصفة.