فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال الله-عزّ وجل-: «يؤذيني ابن آدم، يسبّ الدّهر، وأنا الدّهر، أقلّب اللّيل والنّهار». وفي رواية: «يؤذيني ابن آدم، ويقول:
يا خيبة الدّهر! فلا يقولنّ أحدكم: يا خيبة الدّهر، فإني أنا الدّهر بيدي الليل والنهار». وهذه الأحاديث مروية في البخاري وغيره من كتب الأحاديث. ومعنى هذه الأحاديث: أنّ العرب كان من شأنها ذم الدهر، وسبه عند النوازل؛ لأنهم كانوا ينسبون إلى الدهر ما يصيبهم من المصائب، والمكاره، فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم الدهر، كما أخبر الله-عزّ وجل-عنهم بقوله: {وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ} فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد، وسبوا فاعلها، كان مرجع سبهم إلى الدهر، فنهوا عن سب الدهر. وقيل لهم: لا تسبوا فاعل ذلك، فإنه هو الله عزّ وجل، والدهر متصرّف فيه، يقع به التأثير، كما يقع بكم، والله أعلم. انتهى. خازن.
هذا؛ وكثيرا ما نسمع في أيامنا هذه من يلعن، ويسب الساعة، واليوم الذي رأى فيه فلانا، أو باع، أو اشترى كذا، أو عامل فيه فلانا، أو الساعة التي جرى فيها قرانه بزوجته، وهي بزوجها ليبوؤوا بغضب الله، وسخطه، وقد يكونون من المصلين الصائمين، ولا حول، ولا قوة إلاّ بالله! ولقد أحسن أبو علي الثقفي-رحمه الله تعالى-إذ يقول: [السريع]
يا عاتب الدّهر إذا نابه... لا تلم الدّهر على غدره
الدهر مأمور، له آمر... وينتهي الدهر إلى أمره
كم كافر أمواله جمّة... تزداد أضعافا على كفره
ومؤمن ليس له درهم... يزداد إيمانا على فقره
وروي: أنّ سالم بن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهم-كان كثيرا ما يذكر الدهر، فزجره أبوه، وقال: إياك يا بني وذكر الدهر، وأنشد: [الطويل]
فما الدهر بالجاني لشيء لحينه... ولا جالب البلوى فلا تشتم الدهرا
ولكن متى ما يبعث الله باعثا... على معشر يجعل مياسيرهم عسرا
هذا؛ والدهر: هو الزمان قلّ، أو كثر، ولكن قال بعضهم: إطلاقه على الزمن القليل مجاز، واتساع، ويطلق على الأبد، ويقع على مدة الدنيا كلها، وجمعه: دهور، ودهر الإنسان: الزمن الذي يعيش فيه، والدّهريّ بضم الدال: المسن، وبالفتح الملحد؛ الذي لا يعتقد بوجود الخالق، جلّ وعلا.
الإعراب: {وَقالُوا:} الواو: حرف استئناف. (قالوا): فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق. {ما:} نافية. {هِيَ:} ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ.
{إِلاّ:} حرف حصر. {حَياتُنَا:} خبر المبتدأ، و (نا): في محل جر بالإضافة، والجملة الاسمية في