للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ والحمد في اللغة: الثناء بالكلام على الجميل الاختياري على جهة التبجيل، والتعظيم، سواء أكان في مقابلة نعمة أم لا؟ فالأول كمن يحسن إليك، والثاني كمن يجيد صلاته. وهو في اصطلاح علماء التوحيد: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث منعما على الحامد، أو غيره، سواء أكان ذلك قولا باللسان، أو اعتقادا بالجنان، أو عملا بالأركان؛ التي هي الأعضاء، كما قال القائل: [الطويل]

أفادتكم النّعماء مني ثلاثة... يدي ولساني والضمير المحجّبا

ومما هو جدير بالذكر: أنّ معنى الشكر في اللغة هو معنى الحمد في الاصطلاح، وأما معنى الشكر في الاصطلاح؛ فهو صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه فيما خلق لأجله. هذا؛ وقد حثنا النبي صلّى الله عليه وسلّم على حمد الله باللسان، والإكثار منه، ورغبنا فيه، وذكر لنا أحاديث ترغبنا فيه، وصيغا مفضلة على غيرها لما فيها من المعاني القوية، وخذ نبذة من ذلك، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثهم: «أنّ عبدا من عباد الله قال: يا ربّ لك الحمد، كما ينبغي لجلال وجهك، ولعظيم سلطانك، فعضّلت بالملكين، فلم يدريا كيف يكتبانها؟ فصعدا إلى السماء، فقالا: يا ربّنا إنّ عبدك قد قال مقالة، لا ندري كيف نكتبها؟ قال الله-وهو أعلم بما قال عبده-: ماذا قال عبدي؟ قالا: يا ربّ إنه قال: يا ربّ لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، ولعظيم سلطانك. فقال الله لهما: اكتباها كما قال عبدي؛ حتّى يلقاني، فأجزيه بها». رواه أحمد، وابن ماجه.

وعن أبي أيوب-رضي الله عنه-قال: قال رجل عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صاحب الكلمة؟». فسكت الرجل، وظنّ: أنه قد هجم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على شيء يكرهه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من هو؟ فإنه لم يقل إلاّ صوابا!». فقال الرجل: أنا قلتها يا رسول الله أرجو بها الخير! فقال: «والّذي نفسي بيده لقد رأيت ثلاثة عشر ملكا يبتدرون كلمتك، أيّهم يرفعها إلى الله تعالى!». رواه الطبراني، والبيهقي.

هذا؛ والرب يطلق ويراد به السيد، والمالك، ومنه قوله تعالى حكاية عن قول يوسف عليه السّلام: {اِرْجِعْ إِلى رَبِّكَ..}. إلخ، وقوله أيضا: {أَمّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً..}. إلخ. وقال الأعشى: [الكامل]

ربّي كريم لا يكدّر نعمة... وإذا تنوشد في المهارق أنشدا

كما يقال: رب الدار، ورب الأسرة؛ أي: مالكها، ومتولي شؤونها، كما يراد به المربي، والمصلح. يقال: ربّ فلان الضيعة، يربّها إذا أصلحها. والله سبحانه وتعالى مالك العالمين، ومربيهم، وموصلهم إلى كمالهم شيئا فشيئا، بجعل النطفة علقة، ثم بجعل العلقة مضغة، ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>